مأتم رسمي وغضب شعبي في وسط بيروت
«14 آذار» تطلق في وداع شطح معركة تحرير لبنان من سلاح «حزب الله»
| بيروت - من ليندا عازار |
1 يناير 1970
12:25 م
لم يسبق للرئيس السابق للحكومة اللبنانية رفيق الحريري ان «فتح أبواب» ضريحه لـ «رفاق» كي «يشاركوه التراب» الذي يرقد فيه منذ اغتياله في 14 فبراير العام 2005.
فـ «مقام» الحريري في باحة مسجد محمد الأمين في وسط بيروت شهد، امس، «التحاق» الوزير السابق محمد شطح (ومرافقه طارق بدر) بـ «دولة الشهيد» في يوم «قبره المفتوح» الذي «استضاف» رجل اعتدال آخر شكّل «الذراع الديبلوماسية» لنجله الرئيس سعد الحريري الذي «طرق القاتل بابه» باغتيال مستشاره للشؤون الخارجية على «مرمى العين» من دارته في وسط بيروت.
وكما كان ضريح الحريري في الـ 2005 «ملهماً» لـ «ثورة الأرز» التي انفجرت في 14 مارس 2005 بوجه ما اعتبره خصوم سورية في حينه «احتلالها العسكري - الامني للبنان»، فان مرامي تعمُّد قوى 14 آذار - التي رفعت مع اغتيال شطح شعار «القاتل هو نفسه» - اختيار مسجد الأمين ليحتضن جثمان الوزير الشهيد ومرافقه جنباً الى جنب مع الرئيس الشهيد تكشّفت مع ملامح «ثورة الأرز - 2» التي أطلقها الرئيس السابق للحكومة فؤاد السنيورة بوجه «حزب الله» هذه المرة معلناً «قررنا تحرير الوطن من احتلال السلاح غير الشرعي كي نحمي استقلاله ونصون سيادته وسلمه الاهلي»، ومتحدثاَ عن «قرار بالسير مع شعب لبنان المسالم الى مقاومة سلمية مدنية ديموقراطية»، وضارباً موعداً مع «ساحات النضال السلمي والديموقراطي».
وإذا كانت ثورة الأرز 2005 نجحت في إخراج الجيش السوري من لبنان بعد أشهر قليلة من سحب الغطاء الدولي عنه بموجب القرار 1559 (صدر في سبتمبر 2004)، فان استعادة فريق 14 آذار «روح الثورة» وهذه المرة بوجه «حزب الله» وايران ضمناً في أعقاب اغتيال شطح يأتي في لحظة اقليمية - دولية «تعاند» 14 آذار التسليم بمقتضياتها التي يُشتمّ منها، بحسب اوساط هذا الفريق، امكان حصول تفاهمات - من بوابة الاتفاق النووي بين ايران والمجتمع الدولي ومحاولات ترتيب الملف السوري - يستفيد منها «حزب الله» لبنانياً او يتفيّأها لإكمال انقضاضه على الوضع الداخلي في إطار الصراع على السلطة والتوازنات المفتوح منذ العام 2005.
ومع رسم «14 آذار»، امس، «خريطة طريق» تعاملها مع المرحلة المقبلة على قاعدة ان «ما قبل اغتيال شطح لن يكون كما بعده»، بدا واضحاً ان المناخ الداخلي انتقل الى مستوى أعلى من «التدافُع الخشن» مع تحميل قوى الرابع عشر من آذار لـ «حزب الله» مسؤولية اغتيال شطح وردّ الحزب بلسان نائبه حسن فضل الله بان «فريق 14 آذار سارع إلى الإستثمار السياسي لجريمة اغتيال الوزير شطح، وهذا هو منهجهم منذ العام 2005، حيث أنهم يرقصون على الدماء ويتعلقون بحبال الهواء من أجل تحقيق مكتسبات سياسية»، معلنا «كل صراخهم في اليومين الماضيين وخطابهم التحريضي لن يصل لأبعد من آذانهم، وإن كان يشكل تهديدا للأمن وإلاستقرار والوحدة الوطنية، ونحن تعاطينا مع كل هذه الحملة الهوجاء بأذن صماء وبلا مبالاة، لأننا ندرك أنه استثمار رخيص، ومحاولة مفضوحة ومكشوفة لاستغلال جريمة حدثت».
وكان وسط بيروت شهد، في وقت سابق تقاطُر اعداد كبيرة من المواطنين من مختلف المناطق اللبنانية للمشاركة في يوم الوداع الاخير لـ «شهيد الاعتدال والانفتاح» محمد شطح في مسجد محمد الامين الذي وصل اليه عدد من الشخصيات السياسية في قوى 14 آذار، ورئيس الحكومة المكلف تمام سلام ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، فيما برز حضور رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع حيث قدّم التعازي لعائلة الوزير الشهيد كما تقبّل التعازي لبعض الوقت معها.
وقرابة الحادية عشر من قبل الظهر وصل نعشا شطح ومرافقه طارق بدر الى المسجد حيث اسقبلهما الرئيس فؤاد السنيورة وقادة من «14 آذار» وسجيا في المقدمة. وبعدما قلّد الوزير علاء الدين ترو ممثلاً رئيس الجمهورية ميشال سليمان الوزير شطح الوسام الوطني من رتبة الضابط الأكبر، أمّ الصلاة مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار وسط دموع وغضب عارم.
وبعد الصلاة على الشهيدين، اعلن الشعار «ان الاعتدال سيكون سيّد الموقف وإمام المسيرة ولن يخرج لبنان ابداً عن هذه المنهجية «، مؤكداً «الحكومة ستتشكل قريباً يوم يلتقي الحكماء لتستوعب قضايا الوطن دون ردّات فعل بل بتعقل وحكمة وبتعاون مع رئيس الجمهورية».
وفي أعقاب دفن الوزير شطح ومرافقه، تحدث الرئيس السنيورة قائلاً ان «المجرم يوغل في اجرامه ويحسب انه سيفلت من العقاب»، مؤكداً «موقفنا باننا لن نستسلم ان نتراجع او نخاف من الارهابيين والقتلة بل هم الذين عليهم ان يخافوا لانهم القتلى».
وقال: «هم يقتلون كي يحكموا سيطرتهم ونحن نكرر التمسك بلبنان العيش المشترك والسلم الاهلي. يستمرون في القتل ونحن نتمسك بلبنان الحرية والديموقراطية واحترام حرية الانسان والتداول السلمي للسلطة واحترام الدستور وتطبيق القانون. هم يمعنون في القتل ويدمرون الاقتصاد والعمران ويخربون علاقات لبنان واللبنانيين مع المحيط العربي ومع العالم، ونحن لن نتحوّل الى قتلة ولن ندمر لبنان وسنبقي لبنان ساحة للحرية والحوار والتواصل والتصالح وليس ساحة للفتنة والاقتتال، نحن نبسط يدنا ونتمسك بالميثاق الوطني ورفض التطرف والتشدد والعنف».
وشدد على عدم التراجع «عن حق الشهداء، مهما تجبّرتَ ايها المجرم ومهما غاليْت في الاستعلاء والاستكبار ومهما روّجت الاضاليل، فانك الى زوال، وقرارنا ان لا نتراجع ولا نخاف سنتصدى وسنواجه فنحن طلاب حرية واصحاب حق».
واعلن قرار قوى «14 آذار» بـ «السير مع شعب لبنان المسالم الى مقاومة سلمية مدنية ديموقراطية»، قائلاً: «قوى 14 اذار على موعد معكم في ساحات النضال السلمي والديموقراطي وقررنا تحرير الوطن من احتلال السلاح غير الشرعي كي نحمي استقلاله ونصون سيادته وسلمه الاهلي». وأضاف: «قررنا أن أوان العودة الى الدولة والشرعية قد حان. نحن أهل الكرامة والحق ولن نتراجع، ونحن أصحاب قضية، قضية الإنسان والدولة في لبنان». وتابع: «أنت أيها القاتل من أهل الباطل وأهل الباطل الى زوال، ويا ايها الشهيد البطل محمد شطح، ما كان قبل اغتيالك لن يكون بعده».
رشقوا الملالة التي نقلته من المسجد
مشيّعون غاضبون لأحد الضحايا حاصروا المفتي لساعتين ووصفوه بـ «عدو الله»
| بيروت - «الراي» |
«انفجر» امس الاحتقان «التراكُمي» بين الشارع السني ومفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني الذي حوصر لنحو ساعتين داخل مسجد الخاشقجي في محلة الطريق الجديدة في بيروت من قبل حشود غاضبة على حضوره للمشاركة في تشييع الشاب محمد الشعار الذي قضى في عملية اغتيال الوزير السابق محمد شطح.
وفيما كانت الدوائر المراقبة تسجّل غياب قباني عن تشييع شطح في مسجد محمد الامين، في تطور بررته اوساطه بانه انسجاماً مع عدم رغبة «تيار المستقبل» بحضوره وهو ما كان حصل ابان وداع اللواء وسام الحسن في اكتوبر 2012، فاجأ مفتي الجمهورية المشاركين في تشييع الشعار في الطريق الجديدة بحضوره الى المسجد، الامر الذي قوبل بغضب وصيحات استهجان بلغت حد وصفه بـ «عدو الله»، وسط بلبلة أخّرت انطلاق صلاة الجنازة.
ووسط هرج ومرج وإصرار المشاركين في التشييع على مغادرة قباني، لجأ المفتي الى غرفة جانبية في المسجد محتمياً بشخصيات سياسية من «تيار المستقبل» والجماعة الاسلامية وأمنية أجرت اتصالات لضمان ممر آمن لإخراجه، وهو ما تحقق بعد نحو ساعتين مع وصول قوة ضاربة من قوى الامن الداخلي وشعبة المعلومات التي تولت تنفيذ أكثر من عملية «إجلاء وهمية»، قبل ان يضطر المفتي الى المغادرة من الباب الرئيسي وسط مواكبة كبيرة حمته من القبضات التي حاولت بلوغه وأمنت وصوله الى ملالة للجيش اللبناني تولت نقله على وقع رشقها بالاحذية وكل ما توافر بين ايدي الغاضبين.
وجاء المشهد غير المسبوق الذي ارتسم امس، ليتوّج مساراً من الاحتقان بين الشارع السني بكل رموزه الرسمية والسياسية والشعبية وبين المفتي على خلفية مواقف له من الازمة السورية ومن «حزب الله»، تُرجمت تنظيمياً على مشتوى دار الفتوى بوجود مجلسين شرعييْن وبمحاولة للرؤساء السابقين للحكومة لعزله من منصبه بعد توقيع عريضة بذلك من اكثر من 90 عضواً من أصل 104 أعضاء يمثلون الهيئة الناخبة (للمفتي) بمن فيهم رؤساء الحكومات (باستثناء الرئيس سليم الحص).