رأي قلمي

ضريبة الحرية...!

1 يناير 1970 12:16 ص
للحرية ركائز وعوامل تقوم عليها، فالحرية ليست مفهوماً سياسياً يتلخص في فك القيد أو الأسر، ويصبح الإنسان حرا مستقلا لا شيء يقيده، الحرية هي من تقهر وتحطم وتهشم كل مفاهيم الاستبداد والاستعباد للناس، للحرية فلسفة كثير منا لا يفقهها، خصوصا الشق المعنوي منها، كلنا يفقه ويفهم معنى الحرية الملموس، وهو فك القيود أو التخلص من العبودية.

الحرية هي ألا تكبل طاقتي وإنتاجيتي بجهلك وطغيانك، وتكرهني على ما لا أؤمن به من مبادئ وقيم وأخلاقيات، لا تجبرني على تغيير مسار أفكاري بما اعتقد به.

إن الحرية تُصَمم بما نعتقد ونؤمن به، فهي تصميم أخلاقي وفقاً لمعايير الخير، الحرية والتحرير هي أن تجعلني اختار ولا تسيرني بما أنت تختار، فهي القدرة على الاختيار بين الممكنات بما يحقق الإنسانية، من خلال أحد مقومات الشخصية ألا وهي الحرية، اجعلونا أحراراً بالتزامنا بالنظام العام، متزامنا مع قنوات مفتوحة للتعبير عن الرأي بسعة أفق تشمل احترام التعددية في الآراء المتعلقة بمصلحة المجتمع.

لا تجعلوا حريتنا حرية سالبة مسلوبة الإرادة بتقييد أفكارنا وطموحاتنا، وكبت رغباتنا، من أجل تحقيق مآربكم، لكل فرد من أفراد المجتمع حرية داخلية خاصة مرتبطة بإمكاناته وقدراته، من يستطيع أن يقيد ويكبل أجسادنا، فلن ولم يستطع تقييد قدرتنا على التقرير والاختيار ورسم حياة الأوطان.

نحتاج إلى حفر معرفي بمفهوم الحرية إلى عمق حقيقة الحرية، للتخلص من التبعية العمياء بعقلانية ومنطقية، وذلك بالتحرر من العقائد المتحيزة المتطرفة، بتوافق الفكرة المذهبية مع رؤية الفرد، بما يعتقد به من مبادئ وقيم وأخلاقيات، وبتثقيف الأفراد بمفهوم الحرية الحقيقي الذي هو: أن الحرية هي جزء من الفطرة البشرية فهناك أنفة طبيعية عند الإنسان لعدم الخضوع والرضوخ والإصرار على ما يتعارض مع فطرته الجبلية في امتلاك زمام القرار في ما يعتقد به من أفكار ورؤى ومبادئ، ولن يجيز أي كائن كان بتقييد حرية روحه بمشاعر وعقله بأفكار تملى عليه.

لا يفهم من سطورنا السابقة أننا ندعو لدولة الغاب، بل ما نرمي له هو دولة القوانين الفعلية لا الشكلية، أي بتنظيم وتفعيل القوانين بما يتوافق مع طموحات الشعب، وبما يحقق ويحرز العدالة والمساواة بتطبيق القوانين دون تمييز، على الحاكم قبل المحكوم، وعلى الرئيس قبل المرؤوس، وعلى التاجر قبل المستهلك، وعلى الثري قبل الفقير.

كلماتي لا تدعو للحرية على إطلاقها، بل تدعو إلى تحرير الإنسان من بنيات اجتماعية غير متطورة، كالثقافة اللاعقلانية المنتشرة عند الكثير، كأن لسان حال البعض يقول لا تتدخلوا في إرادتي حتى وإن كان هذا التدخل هو حماية الآخرين من تصرف لا مسؤول صادراً بحجة الحرية والتحرر وكسر القيود التي تتصادم مع مبادئ الدين والأعراف والعادات والتقاليد، بل على العكس كلماتي تدعو إلى الحرية المؤطرة بأطر راسخة متجذرة منذ آلاف السنين، لم يبق إلا انْ نقول إنَّ للحرية ضريبة يجب على كل فرد أن يدفعها، وما تلك الضريبة إلا الحرية بذاتها.

[email protected]

twitter: @mona_alwohaib