رؤى / مفاهيم الشرف... والمعتقدات العصرية

1 يناير 1970 10:51 ص
يختلف مفهوم الشرف باختلاف عادات وتقاليد الشعوب وتباين القيم والموروثات الأممية، فالشرف كلمة كبيرة المعنى، ولكن هناك من يربط مفهومه بحفظ العرض والأنساب والدفاع عن الأوطان فقط، وقد تعرض مفهوم الشرف لتشوهات جوهرية وتحريفات أدت إلى محاولة تفريغه من مضامينه واستبداله بمفهوم جديد أنقص من وحدة الكلمة وأهبط من مستواها الرفيع، ?ن مفهوم هذه الكلمة الصغيرة بقولها الكبيرة بمعناها أشمل وأكبر من أن يحصر في العرض والنسب والوطن، فهو منظومة متكاملة من القيم المتضافرة مع بعضها، وهو من أفضل الفضائل وأسماها.كثير من المعاني الإنسانية تندرج تحت مفهوم الشرف، و? يستطيع أي فكر إنساني حقيقي وواقعي أن يتجاوزها أو يغفل عنها مثل الإخلاص والأمانة في العمل والالتزام به، ورفض الرشوة ومراعاة حقوق الآخرين وترك الغيبة والنميمة، وعلى رأس تلك العناوين الجوهرية يتوجّ الصدق والعدل وعمل الخير. إن كل ما يشرف الإنسان نابعاً من مبادئه التي يؤمن بها ومقتنع بخياراته أو من فضيلة منه زائدة عن مسؤوليته هو شرف الذي له علامات ود??ت تظهر في كل عمل يعمله، مثل حماية الضعفاء والمحتاجين وسد حاجتهم فالمحسن الذي يضع الإحسان في موضعه ويأخذ بأيدي الضعفاء ويحيي أنفس البائسين شريف ومن يساعدهم بالمال والفكر والنشاط شريف، والذي ? يقوم بعمل دنيء من ا?عمال و? يقبلها ولو أؤتمن على سر ? يبح به شريف، والذي يقوم بواجبه المهني بذمة وضمير شريف، والذي يقول كلمة الحق وإن كانت تهدد منصبه أو ماله ولم يبال بالعواقب شريف، والحاكم العادل الذي يمنع الظلم عن المظلومين شريف، والصانع والتاجر والسياسي وكل ذي منصب شرفاء متى كانوا أمناء، وصاحب الأخلاق الكريمة شريف ?نه يؤثر بكرم أخلاقه وجمال صفاته في كل من يتعامل معهم ويلقي عليهم بالقدوة الصالحة الذي أفضل من درس ا?خلاق وا?دب.أما الفخر بالمنصب فهو ناقص ما لم يقترن بالعمل النافع ودون ذلك هو شرف مزيف، والغنى الذي ? ينفع ماله أمته ولم يساهم بثروته في أعمال الخير فهو شريف مزيف، والفخر بالحسب والنسب ولم يدعم بالعمل النافع ولم يكن شريفاً من نفسه فهو شريف مزيف، وعندما تفقد ا?مة شرفها تبحث عن أي شرف تدعي أنه شرفها ولو كان شرفاً كاذباً. الشرف نظام كامل يجمع بين القيم والمبادئ والمحبة والتآلف، يضعه كل شخص لنفسه على حسب ترتيبه وتفكيره ومعتقداته، وشرف كل شخص مرتبط به وليس بشخص آخر ومرتبط بشكل مباشر بدماثة أخلاقه وأفعاله، فشخصيته هي معيار الشرف، ومن علت همته شرفت نفسه.كلمة الشرف لا تقف عند العرض والنسب والوطن فقط، فأين شرف المهنة الذي بدأ يتوارى حتى الاضمحلال أمام تعنت المصلحة وعلاقات القوة، وأين شرف الكلمة وشرف العهد وشرف الصداقة أو الزمالة وشرف الكرامة وشرف النزاهة وشرف الانتماء وشرف الأرض وشرف الدين؟ أليست كلها من معاني الشرف؟ أليس الشرف مجموعة من القيم وا?خلاق وا?فعال التي ? تقبل التجزئة؟ أم إن الشرف يتجزأ من محتواه و مضامينه الإنسانية؟ أم أن هناك فارقاً بين مفهوم شرفي الرجل والمرأة؟ وليس شرف الإنسانية جمعاء، إن الجدلية الشرفية يطول شرحها لأنها حالة فلسفية وأدبية ويتداخل فيها الدين لتشكل واحة خضراء قابلة للثمار والنتاج العقلي والمنطقي، فالمجتمعات التي تخيط ثوب المعنى وفق أهوائها العصرية فهي بذلك تبني قصوراً من رمال على أرض موحلة لأنه وباختصار «الشرف» مثل حبة «الماس» يصعب تجريحها أو المساس بجوهرها وبقيمتها مهما تراكمت عليها الغبائر ويبقى المعنى في قلوب من تعي وتعمل لصلاح النفوس!

* كاتبة كويتية