د. معيوف السبيعي / اعتذار المعوشرجي والجري

1 يناير 1970 07:32 ص

بعد التشكيلة الحكومية الأخيرة، وما صاحبها من مطالبات نيابية وشعبية وصحافية بأن تكون حكومة انقاذ وطني، وبأن تكون حكومة تكنوقراط تنهض بالبلد من وحل البيروقراطية، التي شلت أركان الخدمات بالكويت، وأوقفت عجلة التنمية، وأدت إلى التراجع الملحوظ في كل مناحي الحياة، خرجت لنا توليفة حكومية قديمة بثوب جديد، ومع ان هذه الحكومة تبدو في ظاهرها ممثلة لجميع طوائف المجتمع الكويتي إلا انها قوبلت بالرفض والاعتراض على الآلية والنوعية، ووصفت بأنها مخيبة للآمال وللتطلعات، ولعل انسحاب مجموعة من النواب من جلسة القسم دليل مادي على رفض الحكومة بأسلوب حضاري، وكذلك اعتراضاً على عدم تمثيل بعض الوزراء التمثيل الحقيقي لطوائف المجتمع، فلو كان الوزير العليم يمثل المطران لما وجدنا مسلم البراك ومحمد هايف من ضمن المنسحبين قبل أداء الحكومة للقسم، ولو كان علي البراك ممثلاً لقبيلة العجمان لما رأينا عبدالله البرغش من ضمن المعترضين، فالعليم يمثل الحركة أكثر من تمثيله للمطران، والبراك يمثل التيار الليبرالي أكثر من تمثيله لقبيلة العجمان، ولم تكن أسماء العليم والبراك من ضمن الأسماء المقدمة من قبل نواب القبائل في المجلس، فتمثيل الحكومة لجميع طوائف المجتمع الكويتي جاء شكلاً فقط، أما في الحقيقة فهم يمثلون تيارات وحركات سياسية.

ولقد بعث النواب عن طريق انسحابهم رسالة واضحة، نخشى أن تتطور هذه الرسالة فيما بعد مع الحكومات المقبلة إن استمرت الاشكالية في آلية اختيار الوزراء، فمطالبات النواب أثناء حملاتهم الانتخابية ورغبتهم بأن تكون هذه الحكومة بالذات حكومة تكنوقراط أو رغبتهم بأن يشاهدوا رجال دولة، وليسوا موظفين كبارا بدرجة وزراء، تبددت في هذه التشكيلة الحكومية، فالكل كان ينتظر التغيير الجذري ومراعاة ورغبة المواطنين في تقديم خدمات أفضل واصلاح سياسي واقتصادي ونقلة نوعية في التعليم والصحة، ولن يتحقق ذلك إلا بالكفاءات الوطنية الحقيقية والتي تبحث عنها الوزارات دائماً في كل تشكيلة حكومية جديدة، فكيف يستطيع تربوي أن ينهض بالصحة، وكيف يستطيع صيدلي تحويل الكويت لمركز مالي وتجاري؟ هذه أمنيات أشبه بالمعجزات إن تحققت، ومهما كانت مقدرة الوزراء الجدد على العمل يبقى التخصص مطلوباً لسلامة قرارات الوزير، وإلا سوف نشاهد ما فعله الطويل بالصحة من قرارات أدت إلى رفض الأطباء والاستشاريين لهذه القرارات الارتجالية.

ولعل تزايد نشاط النقابات العمالية والجمعيات المهنية، وهذه الحركة المستمرة والنشطة في الأعوام الأخيرة نتيجة لأخطاء الوزراء غير المتخصصين، حتى أصبحت الاعتصامات والإضرابات ظاهرة طبيعية غير مستغربة في إدارات الدولة، يعني أن هناك حقوقا للموظفين تُهضم نتيجة جهل المسؤولين، أو نتيجة عدم معرفتهم بخفايا الوزارة، وكم كنا نتمنى وجود شريدة المعوشرجي، وزير المواصلات السابق، ووليد الجري، النائب الشعبي السابق، من ضمن التشكيلة الحكومية الجديدة لما يتمتعان به من قبول شعبي نتيجة مواقف ومبادئ ثابتة لا تغيرها الكراسي، وقد تركوا الكثير من المناصب نتيجة ثباتهم على مواقفهم، ونالوا بهذا ثقة الشعب الكويتي المطلقة من قياديين ومواطنين، ولذلك يتم عرض أسمائهم في كل تشكيل وزاري جديد، وغيرهم الكثير من رجالات الكويت التي تبحث عنهم الوزارات ولا يبحثون هم عن الوزارة.

ولو تخيلنا وجود المعوشرجي والجري، كأمثلة ونماذج تحظى بالقبول الشعبي من ضمن الحكومة الأخيرة فلا أعتقد أنه سيكون هناك اعتراض نيابي على شخصيتين من أقرب الناس إلى مجلس الأمة، ووجودهما يعطي وزناً إضافياً للحكومة، وقيمة إضافية إصلاحية لرئيس مجلس الوزراء، ولعل السبب في اعتذارهما نظرتهما المستقبلية لعمر الحكومة، فالسياسي المتمرس تتكون لديه قدرة على استشراف المستقبل من خلال المعطيات الموجودة، ومن هذه المعطيات الآن مجلس ذو غالبية محافظة وإسلامية، وحكومة ضعيفة تخشى الاستجوابات النيابية، وعودة بعد حل مجلس الأمة، هذه المعطيات كلها تؤشر وتبشر بتعطيل الحياة النيابية مرة أخرى.

ومع ما سبق كله يبقى دور مهم لمجلس الأمة عبر لجانه المتعددة في تشريع القوانين والمشاريع التنموية وعلى الأعضاء ألا يكتفوا وألا يبالغوا في دورهم الرقابي على حساب الدور التشريعي المعطل منذ زمن في مجلس الأمة وفي الوزارات، فتوقف عجلة التنمية لا تتحملها الحكومة وحدها بل يشاركها المجلس المسؤولية وذلك لغياب دوره التشريعي، وعدم تفعيل عمل اللجان داخل المجلس، فهناك لوم كبير على أعضاء المجالس الماضية في تركيزهم على التصريحات الصحافية وحضور الجلسات لانها تنقل بالتلفزيون، وعدم حضور وتفعيل دور اللجان المتخصصة التي باستطاعتها أن تمد الوزارات بالكثير من الأفكار والرؤى خصوصاً إذا ما عرفنا ان غالبية الأعضاء من المتخصصين، وعملهم في لجان مجلس الأمة مرتبط بتخصصاتهم وخبراتهم السابقة.


د. معيوف السبيعي

أكاديمي كويتي

[email protected]