ممدوح إسماعيل / لماذا تأخرت ثورة التصحيح لـ «بن لادن»؟

1 يناير 1970 06:21 ص



على غير المتوقع من خطابات بن لادن «الانقلابية الثورية التحريضية» كان خطاب بن لادن الذي انفردت به قناة الجزيرة يوم 22 أكتوبر الماضي «فريدا»، وهو الشريط الرابع في خلال أقل من شهرين.

 وكانت أهم النقاط اللافتة في شريطه الأخير :

1 - ظهر بن لادن بشكل أو «نيولوك» جديد، فهو حكيم وإصلاحي ليغير من شكله المشهور الجهادي الإرهابي الثوري الراديكالي، وهو ما يرجح أن معه مجلسا شوريا عرفه على الخلل.

 2 - ظهر بن لادن بأسلوب في الخطاب الأخير مغاير لكل خطاباته السابقة، اذ حمل روحا إصلاحية افتقدتها كثير من خطب شرائط بن لادن التي اعتبرها الغرب إرهابية وكانت لاتخلو من الراديكالية العالية والدعوة إلى العنف والثورة ضد الأميركين والغرب والنظم العربية، بل وبعض العلماء الذين يعتبرهم في نظره خونة.

 3 - وقد ظهر بن لادن في الخطاب وهو يحاول ضمنيا وبطريقة غير مباشرة إظهار براءته من بعض الأعمال المدانة التي ارتكبت في العراق.

 4 - يعتبر خطابه أول خطاب يحمل نقدا للذات اذ انتقد الخلافات والأخطاء الواقعة في الساحة العراقية بوضوح، وشمل خطابه دعوة إلى التوحيد والالتزام بمرجعية الإسلام عند الخلافات وأن ترتفع فوق التعصب للتنظيم وأميره.

 5 - استعمل بن لادن الخطاب العاطفي مع القبائل العراقية التي تضررت من تصرفات «القاعدة» الخاطئة فدغدغ مشاعرها وذكّرها بتاريخها القوي المشرف وفضلها وأنها كانت مصدر فخر للإسلام والعرب دائما.

 6 - عمد بن لادن إلى تكتيك في خطابه يعتمد على سحب البساط ممن استغلوا أخطاء «القاعدة» في العراق واستخدموها في إلغاء أو تشويه مقاومة المحتل... فقد اعترف بن لادن بالأخطاء ولكنه ردها إلى الطبيعة البشرية، ولاينكر المراقبون الذكاء في هذه النقطة ويردونها إلى محاولة للالتفاف على الضعف الذي أصاب «القاعدة».

وأخيرا يبقى التساؤل المهم: لماذا تأخرت ثورة التصحيح لبن لادن؟

 البعض يرون أنه لامكان للإجابة لأن الأوضاع داخل العراق خرجت عن يد الجميع وهو يحاول أن يستدرك ما فات، وأن تصحيحه جاء بعد أن سبق السيف العزل، والبعض يرى أنه مازال هناك أمل في التصحيح ولكن يرون أن الخطاب متأخر.

نعم بلاشك بن لادن تأخر في التصحيح والإصلاح، فالأوضاع تدهورت في العراق، خصوصا ما هو متعلق بأخطاء «القاعدة».

ولكن البعض يرى أنه توجد إجابة للتساؤل، وهي أن بن لادن في ظروف غير طبيعية، فهو مطارد من أكبر قوة في العالم، ومعه جيوش مخابرات لا تتوقف لحظة واحدة عن مطاردته والبحث عنه وهو يتخفى بسرية شديدة، وقد انقطع عن العالم ثلاث سنوات لم يسمع له أحد خبر، حتى كثر الحديث عن وفاته وهو لا يملك وقته ولا ظروفه.

 بخلاف أن ما جاء في الخطاب... يدل على أنه لم يكن على علم بما يجري في العراق وما وقع من خلافات وأخطاء لـ«القاعدة»، ومع ذلك فمازالت الأحداث والأخطاء التي دعا  بن لادن إلى تصحيحها مازالت ساخنة والأحداث والوقائع لم تتغير، ويعتبر أن الخطاب لم يتأخر.

 ولكن يبقى تساؤل مهم ألا وهو: هل من الممكن أن يؤدي هذا الخطاب إلى نتائج على الأرض العراقية ؟ الواضح أن الواقع على أرض العراق صعب ومعقد لأسباب كثيرة لاتخفى على أرض العراق.

أولا: تعدد تنظيمات المقاومة بصورة لافتة حتى إن بعض التقارير الصحافية تقول أنها فاقت الخمسين تنظيما والخلافات بينها كثيرة.

 ثانيا: الخلاف الفكري بين التنظيمات فمنها ما تحمل برنامجا وطنيا وقوميا يختلف فكريا ومنهجيا عن تنظيمات المقاومة التي تحمل شعار المنهج الإسلامي فلن يتحدوا فكريا.

 ثالثا: نجاح المحتل الأميركي وحكومة المالكي في استقطاب بعض القبائل التي كانت من حلفاء المقاومة، ودعمها وتسليحها ضد المقاومة بل واختراق بعض تنظيمات المقاومة.

 رابعا: الخلافات العرقية والطائفية مازالت حربها ساخنة لم تهدأ أو تتوقف لحظة واحدة، ويخرج من هذا التعقيد سؤال آخر: هل غاب ذلك التعقيد عن بن لادن؟

 البعض يرد أن هذا التعقيد هو الذي دفع بن لادن إلى خطابه الإصلاحي غير المعتاد منه مطلقا.. والبعض يأمل أن يكون لخطابه الإصلاحي أثر على أرض العراق التي غرقت في دماء الأعداء والأصدقاء والأخوة الذين تحولوا إلى أعداء، لكن آخرين يرون أن لخطاب بن لادن نتائج وأن بوادرها ظهرت في بعض الإجابات من تنظيمات مختلفة للمقاومة العراقية رحبت بخطاب بن لادن وما جاء فيه، ولكن يبقى المهم العمل التصحيحي على الأرض.

وأخيرا يبقى أن خطاب بن لادن مهم جدا في أنه وضع بن لادن على طريق وقواعد لن يستطيع أن يتراجع عنها، والأمل أن تشمل ثورة التصحيح من بن لادن تنظيم «القاعدة» كله في كل مكان في العالم، وأن يقدم غيره من قادة «القاعدة» في أي مكان في العالم على نقد الذات والتصحيح والمراجعة.


ممدوح إسماعيل

 

محام وكاتب مصري

 [email protected]