ناصر بدر العيدان / من الآخر / السادة الحالمون
1 يناير 1970
06:25 ص
انا والتجارة حكاوي ولا في القهاوي. أنا كمثل الكثيرين من البسطاء الذين لا يملكون سوى راتبهم الذي تملكه أصلاً الحكومة، تأتيني رغبة في التجارة مما أدخر من راتبي، فعندما أذهب لأشتري لباساً، اتمنى لو كان لدي خياط، وان ذهبت لمطعم ما، تمنيت في داخلي لو كنت أملك مثل هذا المطعم، حتى أكون انا من يستلم المبالغ بدلاً عمن يدفعها، وكذلك في الكراج، والسوبرماركت وغيرها وغيرها، يتكرر عندي نفس الشعور. ما يحدث لي في الحقيقة «حلم» وأنا رجلٌ حالم، لأن ما أفكر به هذا لا يمكن أن يحدث، فالرغبة الاستهلاكية تختلف اختلافاً تاماً عن الرغبة الاستثمارية، لكن ما قد يجمعهما هو الرغبة الآنية في أخذ كل شيء.. ما اشتريه، وما أدفعه!
هذا نوع من الطمع، والطمع اذا كان في خارج اطار الممكن، يصبح حلماً. لذلك فإن الحالمين هم أناس يسبحون خارج إطار الممكن، ويغرقون في بحر الواقع. ومن واجب المثقفين اليوم أن يعلنوا لعامة الناس أن «الأحلام» لا تبني الوطن، الاعتداد الذاتي هو الذي يفعل ذلك. فوجود رغبتين متساويتين في القيمة، ومختلفتين في الاتجاه - كأن أكون انا الشاري والبائع في نفس الوقت يعتبر ضعفاً في العدة، حيث ان من يرد أن يعد نفسه للتحديات، فلا يلهي نفسه في الخيارات، ولا يشتت طاقاته في الانتباهات، ولا يتعاطف مع مختلف الاتجاهات، بل يكون محددا، واثق الاتجاه، ولا يكسب من لا يخسر.
يقول الأديب المصري يوسف زيدان: 90 في المئة من القاعدة الشعبية للتيارات الإسلامية هم «حالمون».. ويقصد بالحالمين أولئك الناس الطيبين الذين يريدون حياة افضل وتطورا وبنفس الوقت يتوسمون في بعض الإسلاميين الخير في إدارة البلاد، إلا أن هذه العاطفة التي تجرهم ناحية التيارات الاسلامية عاطفة دينية ترتبط بالاستقامة أكثر منها بالكفاءة أو بالاعتداد. وهذه العاطفة تجرهم ناحية.. والرغبة في العيش برفاه وحياة أفضل تجرهم إلى ناحية أخرى، كمن يشتري التطور لأمته، ويبيعه لمن يستنزفه لمصالحه، كمن يثور على الظلم، ويسلم الحكم لمن يظلمه أكثر! هذه العاطفة في بلادنا لا نراها ناحية الإسلاميين حبا في استقامتهم فحسب، بل نراها ناحية التاجر حبا في ماله، وناحية النسب حبا في قربه، هذه العواطف كلها تنازلات.. فالعاطفة والرغبة في التطور لا يجتمعان، إلا في الأحلام! وسيأتينا يومٌ يشق فيه العالم بحر الاعتداد والتطور.. ونحن في سباتنا غارقون!
ناصر بدر العيدان
Nasser.com.kw