د. وليد التنيب / قبل الجراحة / الخروف

1 يناير 1970 04:42 م
كان جاسم يعيش في قرية تقع على أطراف البلد... قرية استطاعت الحصول على استقلالها وأصبحت من القرى التي تتمتع بحكومة مستقلة...
كانت قرية جاسم تمتلك كل مقومات الاستقلال من توفّر المفكرين المحبين للقرية إلى الموارد الطبيعية.
يتكلم التاريخ عن ازدهار في قرية جاسم يشهد له الجميع... والتاريخ يكتبه المنتصر.
ولكن جاسم وجيله من الشباب لا يرون هذا الازدهار، وإنما فقط يسمعون ما يتناقله الآباء من قصص الازدهار والتقدم... حتى الصور المتوافرة من ذلك الجيل الشباب غير مقتنع بها.
ولكن الفساد بمعظم أشكاله بدأ ينخر بقرية جاسم... بعد أن كانت مزدهرة (وإن كان الشباب يعتقدون أن هذا الفساد ليس بجديد). نعم، أصبحت قرية جاسم تعاني من مشاكل الفساد... وإن كان جيل الشباب يرفض كلمة «أصبحت الآن» لأنهم على قناعة بأن الفساد ليس جديداً على قرية جاسم... والغريب أن معظم القياديين في قرية جاسم يدّعون أن لا فساد ولا تأخر في التنمية... يقول الشباب إن العين ترى ما خلايا المخ تعرفه!
أقبل عيد الأضحى وقرر جاسم أن يشتري خروفاً للعيد... كان قراره واضحاً جداً «خروف سمين وبصحة جيدة خال من العيوب».
ذهب جاسم إلى السوق لشراء الخروف... ولكنه لم يجد ضالته... لا يوجد خروف سمين ولا يوجد خروف من دون عيوب.
تكلم مع معظم البائعين عن الأسباب، والكل يرد عليه بأن الموجود خراف سمينة وليس بها عيوب... (ألم يردد الشباب أن العيون ترى ما خلايا المخ تعرفه؟!).
حتى أنه أمسك أحد الخراف وكان هزيلاً وأعور وقال للبائع «أليس في هذا الخروف عيوب؟»... رد البائع بكل ثقة «لا ليس به أي عيب»... واسترسل موجهاً كلامه لجاسم «وليس هناك أي عيب باستاد جابر»!
حتى لاحظ جاسم أن أحد الخراف يشير إليه... بالفعل، أخذ جاسم هذا الخروف إلى زاوية... وهناك بدأ الخروف بالكلام شارحاً لجاسم سبب الضعف الشديد وكثرة العيوب التي يراها في الخراف... قال الخروف «إنه تطبيق القانون ومعاقبة المخطئ يا جاسم».
وقال الخروف كلاماً عن تطبيق القانون والالتزام... كلام يصعب عليّ كتابته! فالخروف يتكلم عن تجاوز القانون، وهو ليس خائفاً من الذبح، فعيد الأضحى قريب.
بعدها سأل جاسم نفسه إن كان الخروف يعلم بأسباب عدم نجاح مشاريعنا، فلماذا المسؤولون في قريتنا لا يعلمون؟!... يبدو أن القرى المتطورة قد قامت بتعيين الـ (...) كمسؤولين.