منى فهد عبدالرزاق الوهيب / رأي قلمي / لمن قال... «إن الرفاهية انتهت»

1 يناير 1970 12:16 ص
| منى فهد عبدالرزاق الوهيب |

إن التصورات، المشاعر، العواطف، المواقف والتوجهات التي تظهر على سلوك الأفراد والجماعات ليست بالأساس ولا بالضرورة أن تكون ثمرة لتفكير عقلي متأنٍ ولا ترجمة لسلوك أخلاقي أو إيديولوجي، بل هي أحيانا أفكار ومبادئ الناس الذين يعلنون انتماءهم إليها، وغالباً ما تكون هذه الأفكار العقلية والإيديولوجية وسيلة لإضفاء نوع من العقلانية والشرعية على ردود الأفعال.

ولو كنا نتعامل مع بعضنا بعضاً على أساس من الموضوعية الكاملة، لَمَا كان للاختلاف أن يتسع، وتتغطرس الفجوة وتصبح هوة بئر عميقة، نواجه اليوم خلافاً عصيباً بين من يدعي بانتهاء دولة الرفاه، وبين من يعارض هذا المفهوم، فقد تذمر الكثير من طرح فكرة أو نظرية الفناء والانتهاء وتصّدر الأكثر للتحليلات الاقتصادية لإثبات عدم صحة ما يتداول، وسخرت البقية المتبقية مما يقال، لإيمانها واعتقادها بأن دولة الكويت من أغنى دول العالم، فكيف لشعبها أن يعيش في كنف الضرائب، وظل القيمة النقدية المضافة على كل ما يستهلكه؟! نحن لا نلوم ولا نعتب على طرف دون آخر لكل منهم حججه وأدلته على ما يقوله، إنما اللوم كل اللوم يقع على من يدير البلد بعقلية لا تدرك أهمية علم فقه الأسباب لتحلل من خلاله أسباب الخلل والضعف ومنها تستنتج العلاجات والحلول المثلى، التي تتوافق وتتناسب مع كل ما يطور وينمي ويرتقي بالفرد الكويتي ومن ثم البلد بأكمله.

نحن شعب نبحث عن الجودة والتميز في جميع المجالات، وكثير منا من هو على مستوى عالٍ من الفهم بمنهجية واستراتيجية بداية ونهاية مفهوم دولة الرفاه، أما البعض الآخر قد لا يعي مفهوم دولة الرفاهية ولا مدى واقعية انتهائها، وهذا يكون أشبه بحاطب الليل الذي لا يبحث عن حقائق المفاهيم إلا ليلا فيأخذ منها الصحيح والسقيم، إن لمفهوم فناء وانتهاء دولة الرفاه منهجية وأسساً استراتيجية وشواهد واقعية ومعطيات مادية تثبت انتهاء الرفاهية خلال فترة زمنية محددة، كما أنها سنة كونية.

لقد تناسوا أن أفهام الناس وذائقاتهم الثقافية ونخص منها الاقتصادية وحاجتهم الفكرية والمعرفية خلال تلك الفترة المشحونة بأحداث ومواقف ساخنة، قد تطورت وتغيرت إلى حد بعيد، برأيي لابد أن يكون للادعاء منهجية أساسها علمي حتى لا ندعي بشيء مبني على تصورات وهمية وردود أفعال خيالية، ما نحتاجه هو توعية كاملة وشاملة بالمنهج والنظام الاقتصادي الذي استندت عليه الحكومة في تقريرها بانتهاء دولة الرفاهية بزمن ليس ببعيد، وعلى أن تكون التوعية بمراجعة شاملة لأساليب ومفاهيم وركائز الاقتصاد الكويتي، وتثقيف الناس بمنهجية دولة الرفاهية الصحيحة، قبل الإعلان عن انتهائها.

نوصي بتفعيل دور الوازع الداخلي، خصوصا لمن قبل بحمل الأمانة من أعضاء الحكومة، لتعي كيف تسير بمنهجية تنبهها وترشدها كلما حادت عن جادة الطريق الممنهج بحدود وضوابط نظامية شرعية.

لا يعيبنا إن توقفت التنمية، وأوهمنا المواطن بضرورة الترشيد والادخار قبل أنظمة الحكومة والسلطة، ولكن العيب كل العيب أن تبقى الحال كما هي عليه من دون إصلاح وتقدم وتغيير الأمور للأفضل والأرقى، علينا أن نوظف اقتصاد الدولة في مجاله الصحيح ومداه الصائب، حتى نتدارك كل ما يجعلنا نعتقد بأن دولة التقشف شارفت على القدوم، لسد خلل الحكومات المتعاقبة التي لا همّ لها سوى تحبيط المواطن الكويتي بإطلاق مفاهيم موحية بأن بلده ستنتهي فقط عليه، أما على غيره من الدول المجاورة والصديقة ستستمر دولة الرفاهية إلى أبد الآبدين، لن تنتهي دولة الرفاهية لطالما هناك نفوس أبيّة تثبت بالبينة والدليل أن الوقوف أمام تيارات الفساد والمفسدين هو المؤشر والبوصلة التي تدلهم على استمرارية دولة الرفاهية.

 

[email protected]

twitter: @mona_alwohaib