سعد خالد الرشيدي / تحت المجهر / براك الصبيح ... وأزمة نظام

1 يناير 1970 06:58 ص
| سعد خالد الرشيدي |

نشرت «الراي» في عدد الثلاثاء الماضي بيانات حول توجه المدير العام للهيئة العامة للصناعة براك الصبيح نحو الاستقالة.

هكذا خبر لا يستقيم في العادة مع توجهات مسؤولينا وقياداتنا الذين يفضلون دائما البقاء حتى الممات على مقاعدهم، فلماذا خالف الصبيح هذه العادة؟

هذا السؤال دفعني إلى قراءة خبر الاستقالة جيدا، لئلا اجد ما بين السطور ما يشير إلى وجود خلاف بين الصبيح ووزير التجارة والصناعة انس الصالح دفع الاخير إلى حض المدير العام على الاستقالة، لكن من الواضح ان الوزير الصالح تمسك بالصبيح والاخير اصر على موقفه.

في الكويت توجد تعقيدات متجذرة امام القياديين الذين يسعون إلى البناء والاصلاح، فعادة ما يصطدم هؤلاء بجدار واسع من البيروقراطية والروتين والمحسوبيات والواسطة والتشجيع على النوم في العسل، ولا يكون امام هؤلاء المسؤولين سوى الاختيار بين التمسك بمقاعدهم وحوافزهم المالية وكشختهم الاجتماعية، وفي المقابل تحمل الاتهامات بالتنفيع والتعطيل بعد تخليهم عن تعهداتهم التي التزموا بها في بداية تعينيهم، او اختصار الطريق «وهذا نادرا» واقرار الخروج الامن مبكرا تفاديا للاتهامات المجانية التي سيتبرع بها البعض ضدهم مع الإخفاق في الوصول الى الهدف.

مشكلة الصبيح لا تعدو عن كونها حقيقة متكررة لمأساة في النظام الاداري الذي يحكم المؤسسات الحكومية، والعاملين فيها، الذين لا يعرفون اي شيء عن بدهيات التطور والاصلاح، واحيانا لا يعملون ما يحدث في الدول المجاورة من تقدم وتطبيقات داعمة للاصلاح، باستثناء متابعة آخر تطورات الموضة وازدحام الفنادق واخر صرعات الموضة.

لم يجاف براك الصبيح الحقيقة عندما قال «كما نقل عنه» ان لو ستيف جوبز عمل في احدى المؤسسات الكويتية الحكومية لفشل فشل ذريعا، فاذا كان لا احد ينكر على الكويت امتلاءها بالكفاءات القادرة على الاصلاح وقيادة البلاد إلى التطور ومسابقة دول الجوار، الا ان بيئة الأعمال العامة وغالبية القوانين والثقافة الحاكمة تجعل من الصعوبة بمكان جعل هذه الاهداف وفي مقدمها تحول الكويت مركزا ماليا وتجاريا في المنقطة مجرد حبر على ورق يمكن استخدامه كعناوين عريضة في المؤتمرات والنداوات وعلى لسان المسؤولين امام شاشات التفلزة، اما على ارض الواقع فيظل هذا الحديث مجرد اضغاث احلام.

في دبي يجري الحديث منذ فترة عن اقتراب الامارة النموذجية من تطبيق مبدأ الامارة الذكية، يعني كل شيء يعمل وفقا لاخر صرعات التكنولوجيا وتوديع كل ما يمت بصلة بعالم الارشيف الورقي وسياسة كتابنا وكتابكم، اما في الكويت الجارة المسكينة فلايزال بعض مسؤوليها يعاني من انعكاسات اتخاذ قرارات من قبيل نقل موظف أو رفع البصمة على موظف ما، ناهيك عن وجود بعض المسؤولين من اصحاب الايادي المرتعشة في اتخاذ القرارات والذين لا تقوى ايديهم على اتخاذ اي قرار مصيري مخافة تداعياته ورغم ذلك لايزال الحديث العام عن التنمية قائم، دون الانتباه إلى ان الشريحة الأكبر من المواطنين يئست من الاصلاح.

بعيدا عن تجميل الكلمات استطاع براك الصبيح بموقفه من الاستقالة من اختزال المشهد العام الكويتي، في صورة قيادي شريف يقرر الاستقالة بدلا من التخلي عن التزاماته البدهية وتلك التي عاهد بها نفسه عند تولي المنصب، واخر قرر الاحتفاظ بدفء مقعده مع الاتفاق مع نفسه على عدم ابداء اي مبالاة لما يثار خارج مكتبه من اتهامات بالتقصير ينتهي صوتها عند باب مكتبه، وفي النهاية يظل المواطن هو الخاسر الوحيد في لعبة تقطيع الوقت في اعادة تصدير الأمل الحكومي.



[email protected]