| نادين البدير |
«يا وطن وكأنك غربة! وكأنك تبحث في قلبي عن وطن أنت ليؤويك. نحن الاثنان بلا وطن. يا وطني»
التربية الوطنية منهج استحدثته السعودية ضمن مناهج التعليم بعد أحداث 11 سبتمبر، بعدما تم اكتشاف أن سنوات الجهاد بأفغانستان وسنوات تكوين التيارات الجهادية قد أنتجت أرواحاً لا تؤمن بالوطن ولا المواطنة، همها الأول وولاؤها لخارج الحدود.
جاء هذا المنهج لينمي روح الولاء والانتماء. طبعا كثيرون انتقدوه كونه لا يحوي مواد فاعلة لتحقيق أهدافه وهناك من انتقده متهما اياه بالضعف. لكن أحدا لم ينتقده بصفته مكملاً لمشروع الاخوان ودليلا على تغلغل فكرهم داخل أروقة التعليم السعودي. ومثال أطرحه من منهج التربية الوطنية للصف الأول الثانوي الذي يستشهد بعبارة تطعن فكرة المنهج من أساسها.
تقول العبارة «والوقت كما قال الشهيد حسن البنا هو الحياة...» هذا ما يدرسه التلاميذ. اعادة احياء للتطرف وتغليفه بغلاف خارجي يتبع وزارة التربية والتعليم وكتب على الغلاف: الوطنية. ان كان الموكلون بمهمة تنظيف ما أفرزه الاخوان من عمالة للتنظيم ومبايعة للمرشد بكل ما تحمله من تبعات، ان كانوا هم أنفسهم عملاء للتنظيم. فمن سينظف الفوضى؟
حسن البنا شهيد. وأحاديث مؤسس الاخوان شريعة للحياة. هذا ما أطلقوا عليه اصلاح مناهج التعليم.
كيف نحلل التناقض بين منهج يهدف لتأسيس روح الوطنية فيما تستدل دروسه بأقوال من قام فكره على معاداة الوطنية.
يقول أستاذ التاريخ الدكتور صالح السعدون ان حسن البنا اسم عائلته الساعاتي لكن اسم البنا ألحق به نتيجة فكره المنتمي للبنائين الأحرار أو الماسونية.
التعليم محتل من الماسون. التعليم السعودي بشهادة من العاملين فيه ليس سوى مستعمرة اخوانية. هم يتحكمون منذ الستينات بما يتلقاه طلبة العلم، في المدارس والجامعات وجمعيات تحفيظ القرآن التي ابتدعوها للترويج عن سقطاتهم. بمعنى آخر يسيرون أفراد الشعب بأكمله. ماذا نقرأ ماذا نكتب وكيف نفكر. فرض الاخوان الرقابة على كل الحياة.
في فترة من الفترات، كان مفتش المطار يبحث في جيوب المسافرين عن مخدرات أو حشيش. وعن كتاب. أي كتاب. ليمزقه أمامنا أو يصادره. وأعتقد أن كل فرد سعودي واجه مثل هذا الموقف وقتها. كنا وما زلنا لا نقرأ الكتاب الا مهربا تماما كالبضائع الممنوعة. فالمعرفة إثم. المعرفة تكشف حقيقة جرائمهم لذلك حجبوها عنا.
منعوا الاختلاط بالتعليم وتمكنوا من ذلك. بحجة أنه حرام. قبل أيام كنت أستمتع بمتابعة مشهد الحج المهيب في جو من الاختلاط أعداده بالملايين. أعداد تفوق مرتادي سوق أو طلاب وطالبات مدرسة. ويريدوننا تصديق أن الاختلاط حرام.
كل الرسوم والصور بالمناهج رسم على رقاب الأشخاص فيها خطوط تقطعها تعني أنهم بلا حياة. لأن التصوير كان حراما وقتها.
وبالطبع فإن سيطرتهم على التعليم كانت تخول لهم التحكم حتى بالمبتعثين للدراسات العليا، فتقطع المنحة عمن يخالفهم الرأي أو يعترضون على فكره.
كلنا نذكر حكاية الكاتب والأديب المبدع سعيد السريحي الذي رفضوا منحه شهادة الدكتوراه من جامعة أم القرى بعدما صادق عليها مجلس الدراسات العليا بسبعة أشهر بحجة أنها مخالفة لقيم ومناهج الجامعة لأن صاحبها حداثي، وكلنا نذكر حكاية أستاذ اللسانيات في جامعة الملك سعود حمزة المزيني الذي حكموا عليه بالجلد والسجن لمجرد عدم توافقهم مع أفكاره لمقال عنونه (انحسر التنوير مثلما اختفت البسمة من عسير) وقامت الدنيا لأنه علق على أوضاع جامعة الملك سعود وما آلت اليه من انغلاق واختفاء النشاطات الثقافية والفنية والاجتماعية التي كانت سائدة فيها.
مصطلحات مثل ليبرالي. علماني. ملحد. اسلامي. شباب اسلامي كلها مفردات ادخلها الاخوان للتعليم لضمان التشرذم واشاعة الكراهية وابقاء الوطن تحت احتلالهم. فالوحدة تمزقهم ولا حياة لهم الا بأجواء الفوضى والفتنة.
لم نحظ بحياة تعليمية مثل الآخرين. لم ننشد للوطن. لم نقرأ الا خفية، حفظنا الشعر خفية، غنينا خفية، من يعوضنا؟ لن أتوقف عن المطالبة بمحاكمات علنية. للاخوان، لأعوانهم لكل من مارس فكرهم وشارك بالتخريب عن رغبة أو عدم رغبة. بعدها أنا متأكدة أن صيفا مشمسا بانتظارنا.
وفي مقال مقبل. المستعمرة رقم 2 الاعلام
كاتبة وإعلامية سعودية
[email protected]