سلطان حمود المتروك / حروف باسمة / نيران

1 يناير 1970 12:59 م
| سلطان حمود المتروك |

النار تثير الاشمئزاز وتبعث على الخوف والهلع وعدم السكينة وتعمل على الاضطراب وهي مخيفة في شكلها وفعلها وآثارها، وللنيران عند العرب في الجاهلية مناسبات وأماكن وأسباب وهي أربع عشرة ناراً يوقدونها في مناسبات مختلفة وهي نار المزدلفة، نار الاستسقاء، نار التحاليف، نار الصيد، نار الأسد، نار السليم، نار الفداء، نار الوسم، نار القرى، نار الحرتين، نار الغدر، حيث كان العرب إذا غدر الرجل بجاره أوقدوا له ناراً بمنى أيام الحج على الأخشب وهو الجبل المطل على منى ثم صاحوا: هذه غدرة فلان.

أما نار السلامة، فهي نار توقد للقادم من سفره إذا قدم بالسلامة والغنيمة.

نار الزائر والمسافر: ويطلق عليها نار الطرد أيضاً، وذلك لأنهم كانوا إذا لم يحبوا رجوع شخص أوقدوا خلفه ناراً ودعوا عليه ويقولون في الدعاء: أبعد الله وأسحقه وأوقدوا نار إثره.

ونار الحرب: تسمى نار الأهبة والإنذار، توقد على يفاعٍ فتكون إعلاماً لمن بعد، قال ابن الرومي:

له ناران: نار قرى وحرب ترى كلتيهما ذات التهاب.

نيران كثيرة ومتعددة كلها تبعث على الهلع والخوف حتى التي تجلب الضيف، وقال عنها الطائي:

أوقد فإن الليل ليل عز

والريح ياواقد ريح ضر

عسى تجلب نارك من يمر

فإن جلبت ضيفاً فأنت حر

كلها نيران وكلها تثير الهلع وتعمل على الخوف في مجتمع كانت الفرقة فيه يسوده الغدر ووأد البنات والتنابز بالألقاب وكثرة الغارات، فأشرقت شمس الإسلام وأتى رسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وآله وسلم هدى ورحمة للعالمين.

رسول أتى بعد يأس وفترة

من الدين والأوثان في الأرض تعبد

ألم تر أن الله أرسل عبده

ببرهانه والله أعلى وأمجد

ترى هل ذهبت النيران واضمحلت في وقتنا هذا؟

عزيزي القارئ نيران كثيرة نشاهدها كل يوم، نيران مادية تتفجر هنا وهناك فتقتل الأبرياء وتسفك الدماء وتريقها حمراء غانية تملأ الشوارع والأزقة في بلدان كثيرة أرادت أن تحسن معيشتها وتطور أحوالها، فأصبح هذا التطوير ناراً موقدة أكلت ومازالت تأكل الأخضر واليابس، وأصبح الربيع صيفاً غائلاً شديد الحرارة يحرق الجباه ويكوي الأرجل.

وأخرى معنوية هي نار الفتنة والضغينة والجدال غير المنطقي وعلو الصوت والانفعال لأتفه الأسباب.

ولعل السمة التي تنتشر في أوساط البعض هي سمة الحسد حيث يحسد البعض الآخر ودائماً المحسود يكون أكثر كفاءة من الحاسد ومتسافل الدرجات هو يحسد من علا.

اصبر على كيد الحسود فإن صبرك قاتله

كالنار تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله.