يجب أن نتوقف طويلاً عند كلمة سمو الأمير في النطق السامي للفصل الثاني عشر، فقد كان واضحاً الشعور بالإحباط عند سموه من التجربة السابقة وما قبلها، وهو شعور معظم فئات الشعب، وكانت لغة التحذير كذلك واضحة إذا استمر الحال كما هو عليه، فهنالك خيط رفيع يفصل ما بين الحرية والانفتاح وما بين الانفلات والفوضى، فقد نوه الأمير إلى ما شهدته العلاقة بين السلطتين في الفصل التشريعي السابق من (أسلوب التهديد والتصعيد والتشكيك وتدني لغة الحوار والتطاول على الآخرين، والاندفاع بالعمل البرلماني إلى غير أغراضه، إلى جانب التداخل بين السلطتين والاتجاه نحو التعسف والشخصانية في تقديم الاقتراحات بالقوانين ما أرهق الحياة السياسية).
وقد كان الناس يتابعون بتعجب حجم الغضب الذي أبداه سمو الأمير في مناسبات عدة من تلك الظواهر والغضب الشعبي الذي تمثل في آلاف المقالات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية وحديث الدواوين، وكنا نقول لنوابنا: كفى كفى فنحن لم ننتخبكم لهذا، كفى فالتنمية في البلد معطلة، كفى فالفساد يزداد والإنجاز يتلاشى على جميع المستويات، كفى فالنفوس مشحونة والأجواء متلبدة، لكن لا نسمع إلا المزيد من التصعيد والتهديد والوعيد، ونسمع كل يوم بنائب يهدد بتكسير رؤوس المسؤولين، ونائب يستجوب وزيراً على كلمة قالها، وكأنما النيابة قد أصبحت سكرة لا يستفيق من دخل فيها.
ثم انتقل سمو الأمير إلى لوم وزراء الحكومة بالإضافة إلى النواب عندما استشهد بكلمة الشيخ جابر الأحمد، رحمه الله، (وأبشع مخالفات القانون ما يرتكبه مشرعوها ومنفذوها بما يسببه ذلك من فقدان الثقة والقدوة غير الصالحة للمواطنين)، فمنفذو القوانين من الوزراء والمسؤولين قد أعطوا المبررات للجميع بانتقاد أدائهم السيئ وعجزهم عن تحمل مسؤولياتهم واستغلال مناصبهم في جمع الأموال وتنفيع المحسوبين عليهم. ثم توجه سموه ليحذر المواطنين من مخاطر الخروج على الثوابت الوطنية واستمراء التحريض على تجاوز القوانين، وهذه آفة الآفات حيث أصبح القانون في نظر الكثير من المواطنين لا قيمة له ولا يتردد الكثيرون في كسره والتلاعب عليه ما لم يكن هنالك خوف من العقاب، والعجب هو أن الكل يتحدث بمرارة عن ضعف القانون وفقدانه ثم يتفنن في مخالفته ويتحجج بالكبار والمتنفذين. أما الجرأة على الثوابت الوطنية لحساب جهات خارجية فهي الدمار إن لم يتم ايقافها ومحاسبة مرتكبيها.
أمر مهم آخر لم يتركه سمو الأمير دون الإشارة إليه وهو ما شهدته الساحة الإعلامية أخيراً من ممارسات تجاوزت الحرية المسؤولة وضوابط الأمانة المهنية وتمثلت في إثارة أجواء الصخب والشحن والتحريض والمغالطة، وقد أصبح البعض يتساءل عن مصيرنا في ظل هذا الانفتاح الإعلامي الذي شهد ولادة 15 جريدة يومية وعشرات الفضائيات وغيرها، فقد وصل الشتم والتحريض والسعي لتدمير الآخرين درجة غير مسبوقة حتى في أسوأ البلدان المتخلفة، والمشكلة هي أن الربح المادي وزيادة الانتشار مرهونان عند البعض بمدى الإثارة وطول اللسان، والأغرب هو أن بعض من يدّعون الفهم والدفاع عن حقوق الإنسان مازالوا يشتمون ليلاً ونهاراً قانون المطبوعات الذي يقيد حرياتهم ويمنعهم من المزيد من الانفلات والفوضى الخلاقة.
هل سنستيقظ كشعب وحكومة ومجلس من سباتنا العميق ونستوعب كلمات سمو الأمير لنضعها موضع التنفيذ أم سنظل نائمين كنومة أصحاب الكهف؟
د. وائل الحساوي
[email protected]