بداية مبروك لبنان، فقد انتهت مشكلته بـ«اتفاق الدوحة» وانتخاب رئيس للبنان بعد خلو مقعد الرئيس لمدة أشهر ستة، وعاد الهدوء إلى شوارع بيروت، وعادت الحياة إلى طبيعتها، واختفى القلق من مستقبل مجهول للبنان.
ولكن هل انتهت مشاكل لبنان موقتاً أم تم تجميدها أم انتهت تماماً؟ وهذه أسئلة مشروعة تدور في ذهن كثير من المراقبين، لكن الاتفاق سيد الموقف الآن، وهو فرصة كي يلتقط المواطن العربي أنفاسه من الضغط الإعلامي خصوصاً من بعض القنوات التي جعلت مشكلة لبنان أخطر من مشكلة فلسطين والعراق.
لكن ماذا عن غزة والسودان والصومال؟ هذا العنوان هو سؤال حيرني جداً، فكلما حدث أمر في لبنان انشغل العرب جميعاً وهرول وزراء الخارجية على عجل إلى اجتماع عاجل كما حدث بعد أحداث بيروت.
وأنا لست ضد الاهتمام بلبنان مطلقاً، فمشكلة لبنان تستحق الاهتمام بلا شك، لكن الذي حيرني الاهتمام بلبنان فقط دون غيره من البلاد العربية التي تتعرض إلى مشاكل واضطرابات أخطر، فهل ذلك بسبب الرعاية السياسية والإعلامية الكبيرة من بعض الدول لمشكلة لبنان ما تسببت في إهمال قضايا ومشاكل العرب الأخرى؟ أم بسبب تداخل دول خارجية كثيرة في لبنان؟ ربما.
لكن غزة والسودان والصومال نماذج مشابهة لمشاكل معقدة أخطر في التوقيت نفسه، ولا تجد الاهتمام نفسه.
مثال غزة تتعرض إلى حصار رهيب ومجازر وحشية ليلاً ونهاراً، وأبناؤها يجوعون ويقتلون أمام أعين العرب والعالم، ما جعل الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر يشفق على أهل غزة ويقول إنهم يتعرضون إلى أسوأ انتهاك لحقوق الإنسان.
ومن اللافت أن أهل غزة لا يجدون الوقود، ونحن العرب نصدر للعالم كله البترول، فلم أرَ تحركات عاجلة ليلاً ونهاراً، وهذا ما حدا برئيس وزراء الحكومة الفلسطينية المقالة إسماعيل هنية بعد «اتفاق الدوحة» إلى مطالبة العرب بالاهتمام في فك حصار غزة.
مثال آخر السودان أكبر دولة عربية مساحتها ضعف لبنان مرات عدة تعرضت إلى محاولة انقلاب عسكري غادر من حركة العدل والمساواة الممولة والمدعومة من أميركا والصهاينة في أم درمان، فلم أسمع عن تحرك وزراء العرب وهرولتهم لاجتماع عاجل، ثم لم تنقض أيام حتى سعت حركة التمرد الجنوبي إلى قتال وتمرد عسكري في مدينة أبيي في الجنوب، وحركة التمرد الجنوبي لا يخفى دعمها من أميركا والعدو الصهيوني، ولم يُسمع عن تحرك عربي ولو بيان شجب وتنديد قوي!
مثال ثالث الصومال البلد العربي المطحون يتعرض إلى حرب متنوعة واحتلال إثيوبي بدعم أميركي، والقتل ليلاً ونهاراً، ولم أسمع عن مسارعة وزراء العرب لبحث الأمر ونجدة إخوانهم الصوماليين، وهو ما دعا قائداً صومالياً في حركة تحرير الصومال إلى مطالبة السيد عمرو موسى أن يعير اهتمامه لقضية الصومال مثلما فعل في مشكلة لبنان. فهل الصومال ليست عضواً في الجامعة العربية، كي لا يهتم بها السيد عمرو موسى؟
الحقيقة إنني تعبت جداً من التفكير في هذه المعضلة التي لا أجد لها حلاً. وأثناء تفكيري الشديد في ذلك سرحت ووردت على ذهني خاطرة سخيفة تقول إن غزة والسودان والصومال لا يوجد بها فنادق وشواطئ جميلة، كما في لبنان فلذلك لم يهتم العرب بهم.
ولكنني انتبهت وطردت تلك الخاطرة السخيفة وقلت في نفسي الواقع يقول إن الأمثلة الثلاثة في الحصار والاضطرابات والقتل مدعومة من أميركا، أو بفعل اليهود الصهاينة أو من هُم وراءه. ونتيجة الضغط الأميركي والطغيان الأميركي يلتزم الكثيرون من المسؤولين العرب بحكمة الصمت التام. فالأميركيون توحشت قدراتهم وأساليبهم الاستعمارية في الوطن العربي.
وأخيراً على قدر ما كشفت مشكلة لبنان عن رغبة عربية في التوافق من أجل الحل، إلا أن مشاكل غزة والسودان والصومال تفضح التوافق العربي وتكشفه وتجعله عارياً تماماً أمام الحقائق المحزنة على الأراضي العربية ويبقي السؤال: متى يستر العرب سوءاتهم بوحدة عربية قوية؟
ممدوح إسماعيل
محامٍ وكاتب مصري
[email protected]