| منى فهد عبدالرزاق الوهيب |
إن تقدم الأمم مرهون بتقدم أبنائها على صعيد الحياة الشخصية، وهذا التقدم ملموس اليوم ولكنه بطيء للغاية، ويرجع ذلك إلى تعامل الناس مع الشدائد والضغوط بوضعية يسودها الكسل والفوضى واللامبالاة، وما نحتاجه سواء بتعاملنا مع الشدائد أو الرخاء هو صلابة الشخصية والانضباط الذاتي.
إن مسألة الانضباط الذاتي تعتبر أشرس معركة يخوضها الإنسان مع ذاته، وذلك لاعتقاد البعض بأن الانضباط الذاتي هو تقييد الذات أو تجاهل حقوقها أو معاقبتها، وبعضهم ينظر إليه على أنه نوع من الجمود والنقص في المرونة.
الانضباط الذاتي يعين الإنسان على وضوح أهدافه واستمرار برامجه الحياتية اليومية منها والسنوية. والشخص المنضبط ذاتيا يتحمل بعض الضغوط ليرفع من فاعليته وإنتاجيته، ولا يستسلم للظروف والمشتهيات والاسترخاء الدائم، والأشخاص غير المنضبطين كثيرا ما يعانون من الفوضى الشخصية والنقص في التركيز، وهذان الأمران مناقضان للانضباط الشخصي بمفهومه الإيجابي.
إن تخلف الأمم وتراجعها ما جاء من فراغ، بل من عدم التدريب على السلوك بموجب قواعد معينة ومن عدم الالتزام بالتعليمات والأنظمة، وهذا مناقض ومضاد للانضباط الذاتي، ما نحتاجه اليوم للتوسع والتقدم والتطور هو ضبط الميول والسلوك إما بإرادة الفرد نفسه أو بالتأثير عليه بسلطة خارجة عن إرادته.
كانت لنا ولغيرنا مشاهدات لبعض الأشخاص ممن حولنا، الذين لا يجدون شيئاً يقولونه، وإن تحدثوا سيتحدثون عن أشياء لا معنى ولا غاية لها، لا أولويات لهم، وإن وجدت أولوية وسألت أحدهم لماذا هي أولوية؟ يتعثر عليه أن يجيب، وإن أجاب سيجيب بكلمات مبعثرة لا ترمي ولا تهدف للإجابة الصائبة، كما أنهم لا يفقهون التعبير سلوكيا عن نظرتهم إليها، ويفتقدون محاولة الانجاز، وخطوات سبيل بلوغها معدومة لديهم، وهذا كله يرجع لعدم الانضباط الذاتي.
إن المنضبط ذاتياً يشعر أنه يدرّب نفسه خطوة بعد الأخرى على إنجاز الأمور، يطور خطته للانجاز، يراقب ويتابع تنفيذ العهود التي قطعها على نفسه، ويشعر بالمسؤولية الشرعية والأخلاقية والأدبية تجاه القدرات والإمكانات التي أتاحها الله له وملّكه إياها، بصير بعواقب الأمور، يعي جيدا كيف يضبط إيقاع حركته، ودائم الاستمرار لاكتساب العادات الجيدة، حريص جداً على الوقت ولا يتهاون في إهداره من دون تخطيط وإدارة تعيناه على الالتزام والانجاز، وشعاره في الحياة قائم على الإصرار على التقدم، فتدور في نفسه أشرس المعارك وأنبلها لتخليصها من الفوضى والاستسلام للرغبات والتكلس، ولتمحيصها وتزكيتها والارتقاء بها للمعالي والترفع عن سفاسف الأمور، فلنجتهد ونكن من المنضبطين ذاتيا لنستريح ونريح الآخرين من ازعاجاتنا المتكررة.
twitter: @mona_alwohaib
[email protected]