الروائي المصري الشاب قال إن نجيب سرور هو رمز للمواجهة والصدام مع السلطة

حوار / طلال فيصل: تمجيد الرموز سبب غياب «رواية السيرة» عربياً

1 يناير 1970 06:13 ص
| القاهرة- من محمد سرساوي |

قال الروائي المترجم المصري الشاب طلال فيصل، إنه يقدم في روايته الجديدة «سرور» سيرة حياة الشاعر والكاتب المسرحي **المصري الراحل نجيب سرور. مشيرا إلى أنه يركز على تلك الفترة التي أعقبت النكسة، حيث توالت على صاحب «اللزوميات» أزمات شخصية بالإضافة للوضع العام المحبط في البلاد، وانتهى الأمر به المشي مُشردا في شوارع القاهرة.

ويرى فيصل، الذي يعمل على رواية سيرة جديدة عن الملحن بليغ حمدي أن العمل يجب قراءته باعتباره رواية وليس باعتباره للتلصص على حياة شخصية.

وقال في حوار مع «الراي»: «أحاول كتابة رواية بالمعنى الفني، الذي لا يستقيم مع ذلك الطرح المدرسي المثالي الرومانسي للشخصيات التاريخية، بالرغم من ما قد يجره ذلك من مشاكل، وأظن أن هذه هي الفضيلة الأولى للثورات التي قامت في هذه المنطقة، فقد تم كسر حاجز الخوف، والجرأة على التساؤل، والقدرة على النقد أو السخرية».

وهذا نص ما دار من حوار:



• هل هذا العمل سيرة ذاتية أم سيرة افتراضية عن حياة الراحل نجيب سرور؟

هذا العمل أولا وأخيرا رواية، تنتمي لنوع الرواية المعروف بـ «رواية السيرة»، وهو نوع أدبي مستقر ومتعارف عليه في الحياة الأدبية الغربية، ولا يخلو عام في المكتبات الفرنسية أو الإنكليزية- مثلا- من عدة عناوين تنتمي لرواية السيرة الذاتية، وهذا الفن هو الانطلاق من حياة شخصية حقيقية معروفة لبناء رواية فنية باستخدام الخيال والتفاصيل الحقيقية، لتقديم عالم روائي كامل يُعبر عن رؤية كاتبه، وبهذا المنطق التزمت بالكثير من التفاصيل الحقيقية في حياة نجيب سرور، ولكني كنت حرا في إضافة شخصيات متخيلة أو تفاصيل فنية.

وفي النهاية أنا أكتب رواية، وأقدم «نجيب سرور» الذي يخصني. القاعدة التي التزمت بها هي بيت أبي العلاء المعري (لا تظلموا الموتى وإن طال المدى/ إني أخافُ عليكم أن تلتقوا)... لا أريد حين ألتقي بنجيب سرور في حياة أخرى أن يعاتبني أو يتهمني بعدم الإنصاف فيما كتبت.

• هل هذه الرواية تكشف بعض الزيف الذي عشناه في فترة الستنيات؟

أنا مُغرم بالشخصيات التي تختصر حياتها فترة زمنية كاملة. والرواية التي أعمل عليها الآن عن بليغ حمدي، الذي تعتبر حياته تعبيرا صارخا عما جرى لمصر في أواخر السبعينات والثمانينات.

وأيضا في رواية «سرور» يمكنك أن ترى كم كانت حياة نجيب سرور هي المختصر المفيد لفترة ما بعد النكسة، النصف الثاني من الستينات. صداماته وانكساراته الشخصية ومعاركه هي انعكاس بالغ الوضوح لما عاشته مصر في تلك الفترة، ذلك الزيف أو الصراع أو انكشاف الوهم الذي عاشه المصريون وقتها، هنا تمكنك الرواية من رؤية المجموع في الفرد، والخلفية التاريخية يمكن فهمها على نحو أعمق.

• كيف تعاملت مع الشخصيات الحقيقية في الرواية مثل شقيق نجيب سرور ونجيب محفوظ والفنانة مشيرة محسن وزوجة سرور؟

في العمل بشكل عام لإعداد الشخصيات أحاول الاشتغال على أكثر من اتجاه، أولا تاريخ الشخصية، وهذا مهم طبعا في كتابة رواية سيرة، حركتها داخل الزمن، الميلاد والنشأة والوفاة والخلفية التاريخية المصاحبة لذلك، فضلا عن التفاصيل المتعلقة بالمكان والأشخاص المحيطين به، بعد ذلك يتم إعداد قاموس أو معجم للشخصية، أسلوبها، والألفاظ التي تستخدمها والطريقة التي تعبر بها عن مشاعرها المختلفة من غضب أو حب أو كره وخلافه.

• لماذا اخترت أن تكون شخصيتك في الرواية صحافيا تجاوز سن الأربعين وهو على غير الواقع؟

هذا ما فعلته من قبل في روايتي الأولى «سيرة مولع بالهوانم»، حيث كنت مدرسا للأشعة بقصر العيني، وهو ما ليس حقيقيا تماما، وما سأفعله لاحقا في عدة روايات، فبعيدا عن رغبتي الشخصية في اللعب -وهي رغبة مشروعة فيما أظن- لكني كذلك أحاول التأكيد على فكرة تشغلني كثيرا ويشغلني توضيحها، الفارق بين الشخصية الحقيقية في الواقع، والشخصية الروائية داخل الكتاب.

حتى إن كانت هذه مستوحاة من تلك، نحتاج كثيرا أن نؤكد على فكرة بديهية، وهي أن الرواية تُقرأ في سياق كونها رواية، ليست باعتبارها للتلصص على حياة شخصية، أو كتابا في التاريخ، أو دراسة في علم الاجتماع، هنا لا يكون مهمًّا من هو طلال فيصل الحقيقي، المهم هو «طلال فيصل» الشخصية داخل الرواية، لا غير.

• هل يكننا القول إن هذه الرواية كسرت تقديس الأيقونات من الشخصيات الفنية والأدبية؟

أظن أن السبب الرئيس لعدم وجود رواية السيرة في الأدب العربي هو التعامل مع الرموز بنوع من التقديس والاحترام المثالي، يمكنك مثلا تذكر مسلسل مثل «أم كلثوم»، كيف يتم تقديم شخصية مثل أم كلثوم بطريقة مدرسية تماما، في حين أن الدراما تنبع بالأساس من الصراع والتوتر بين الشخصيات وبعضها، أو بين الشخصيات وبين نفسها، وفي «سرور» أحاول كتابة رواية بالمعنى الفني، الذي لا يستقيم مع ذلك الطرح المدرسي المثالي الرومانسي للشخصيات التاريخية، بالرغم مما قد يجره ذلك من مشاكل.

وأظن أن هذه هي الفضيلة الأولى للثورات التي قامت في هذه المنطقة، كسر حاجز الخوف، والجرأة على التساؤل، والقدرة على النقد أو السخرية؛ هدم تلك الجدية المصطنعة التي كانت تُفرض علينا طوال الوقت دون مبرر.

• ألم تخشَ من النقد لوجود بعض الألفاظ الجارحة التي تقال على شخصيات معروفة ذكرت في الرواية؟

تجاهُل الألفاظ الجارحة أو الخشنة كان سيعتبر خيانة لنجيب سرور نفسه، فلا يمكنك أن تكتب رواية عن تلك الفترة أو عن هذا الرجل من دون أن تتمثل تماما لغته وأسلوبه، ووجهة نظره في الناس والحياة، وهو كان دائما ما يعبر عن آرائه في الأفكار أو الأشخاص بطريقة خشنة وصريحة، تلمس ذلك بوضوح في كتابه المجهول «هكذا تكلم جحا» أو في قصيدته الأشهر «أميات» وأظن أن القراء تفهموا هذه اللغة الخشنة وتفهموا دوافع استخدامها في الرواية.

• هل هذه الرواية جعلت نجيب سرور أيقونة؟

أعتقد أن نجيب سرور أيقونة من قبل الرواية، هو رمز للمواجهة، والصدام مع السلطة ومع المجتمع، على العكس من ذلك، أنا حاولت أن أحطم حالة اليقين التي تحيط بالرجل، وأقدم وجهات النظر المختلفة والمتناقضة لحياته وسيرته وصداماته. أعتقد أن هذا هو دور الروائي بالأساس.

• ما سر الفقرة التي اخترتها من مسرحية «ياسين وبهية» لنجيب سرور التي ذكرت أكثر من مرة وهي «أمّا يا مّه شوفت حلم... شفت حلم غريب يخوف... شفتني قال راكبة مركب.. والمراكبي ابن عمي»؟

أنا أحب هذا المقطع، وهذه المسرحية كلها؛ الرؤية التي قدمها المخرج الراحل كرم مطاوع لتنفيذ هذه المسرحية شيء مدهش، أما عن سر المقطع المتكرر، فيُسأل في ذلك شخوص الرواية، وأهل الكتيبة الخرساء.

• لو شاهدت نجيب سرور في وقتنا الحاضر يسير في الشارع، كيف ستراه، مجنون أم ثائر؟

ربما تكون الرواية بكاملها هي محاولة للإجابة عن هذا السؤال البسيط، والمعقد في الوقت نفسه، لديك شخص مختلف، تصرفات غير مفهومة، وكل شخصية في الرواية تقوم بتفسير هذه التصرفات وفقا لقناعاتها وتحيزاتها، كيف يمكن الوصول ليقين واحد، كيف يمكن الوصول لشيء يمكنك أن تطلق عليه اسم «الحقيقة» إذاً.