| منى فهد عبدالرزاق الوهيب |
عقله شموخ وارتقاء، عيونه حديث الحكماء، نظراته تأثر البلغاء، إشاراته تعبير الأدباء، حبه حظوة لقلوب المحبين، مشاعره لهيب، حديثه سحر يأسر الألباب، صمته مغزى وهيبة، لفظه عقل وروح، نفسه ذهن ووجدان، سلوكه نُبْل وسمو ورفعة، رمز من رموز الحنان والاستقرار، سر من أسرار محيطات البشرية.
كان يشكل لنا الأخلاق، ويشّيد اللبنات الأساسية للقيم، ويرتقي بمزاجنا النفسي، ويثير اهتمامنا للكرم والصدق والشجاعة، ويحملنا على الامتنان والتقدير لمن أحسن إلينا، ويعلمنا معنى الصفح والغفران لمن أساء لنا، ويرسخ فينا معايير وموازين الحكم على الأفعال والأذواق والمواقف والعلاقات، ويربينا على مشاعر العبودية والإذعان لله تعالى ويغرس فينا الأناقة الداخلية والرفاهية الروحية من خلال أداء الواجب الذي علينا، ويحثنا للتطلع إلى معالي الأمور، وعلو الهمة في السعي إلى الانجازات الكبيرة، يؤدبنا بآداب وأدبيات المروءة والسمو الشخصي.
كان يدفعنا لنية الخير والحرص على نقاء سرائرنا، يرشدنا لأبواب التطوع الذي هو مصدر الأناقة الروحية، يحذرنا من المساومة على مبادئنا وكرامتنا، ينبهنا بألا نصبر على الظلم، يؤصل في نفوسنا احترام النظام داخل وخارج المنزل، يمارس معنا النقد في إطار المحبة، يحفزنا على تمجيد الانجاز والعمل بصمت، يوطد فينا الاستعانة بالله تعالى وطلب المدد والعون منه واللجوء إليه في الشدائد بثقة وصدق والنأي إلى ركنه الشديد، يزج بنا إلى الدرجات العالية من الدأب على التعلم والبحث والإبداع والتطوير، يوّطن في عقولنا التوازن والعقلانية، وفي نفوسنا الموضوعية والحيادية، يعزز فينا المثابرة وحسن التخطيط في العمل والصمود في وجه الصعوبات، يقوي لدينا متابعة الواقع ومراقبته وكشف معطياته حتى يسهل علينا التعامل معه، يوعينا من الانخراط في صخب الحياة وتيارها المتدفق حتى لا نقف موقف المتفرج على سياسات التهميش الظالم الذي يمارس في أي مجال من مجالات الحياة، يثّبت فينا التناغم والانسجام العقلي الروحي السلوكي حتى لا نتيه بالمتناقضات، يؤصل في نفوسنا القناعة والرضا بالمقسوم وكبح جماح النفس، يعمق فينا فقه الأولويات في حياتنا العامة حتى نعرف ما نحصل عليه وقيمة ما سندفعه، يرسم لنا تضاريس العدل والمساواة والإنصاف مع أنفسنا ومع الآخرين.
كان لا يداهن ولا ينافق الآخرين بل يواجه ويصمد ويدافع عن قيمه ومبادئه، متوازن معتدل وسطي يعيش وفق إطار ثابت ينظم حياته ويحدد اتجاهاته ويرتب أفكاره، لا يضخم ولا يقزم المشكلات والأزمات بل يضعها في وعائها المناسب ليسهل علاجها أو التكيف معها، يستثمر طاقاته بإيجابية ويمتلك شعور الأمان والسلام الداخلي، يدرك معنى الحياة العسكرية المنظمة المطعمة بالشفافية والعاطفية، لا يرضى العيش على هامش المجتمع كان عنصرا فعّالا في كل مرحلة من مراحله الاجتماعية، كان ابنا بارا، زوجا ودودا، أبا رمزا وقدوة.
هون عليك يا سبتمبر لقد خطفته في عام (2010) وخطفت من تماثله بالصفات عام (2005)، وكن على يقين يا سبتمبر لم ولن أنثني أو أنحني وأتحبّط، فأنا نتاج رجل عظيم ربانا فأحسن التربية، وامرأة أعظم أرضعتنا الحكمة والثبات على القيم والأخلاقيات منذ ولادتنا، وما زالت على العهد باقية وسأكمل رسالتهما، فمني لهما كل معاني الإجلال والتقدير والاحترام وإن عجزت على صياغة ديباجاتها.
[email protected]twitter: @mona_alwohaib