| أنوار مرزوق الجويسري |
في بعض الأحيان يصعب على الكاتب التنظير بينما هناك من يعيش الواقع لحظةً بلحظة، وقد يواجه الكاتب حالةً يود فيها اعتزال الكتابة كي لا يشعر بنقص عمله مقارنة بأعمال أخرى يموت الناس في سبيلها، وقد كانت الكتابة منذ زمن قريب عمل من لا عمل له، كما أنها اتُخذت للهواية والترفيه كنوع من أنواع الترف، لكن في أيامنا هذه وزماننا هذا حيث الإعلام مؤثّر أول في نشر الحقائق، وحيث الآراء سبيل في تغيير مصير الأمم أصبحت الكتابة مسؤولية تُثقل كاهل صاحبها، فما عادت هواية ولا تنظيراً لا يؤدي للضرر، بل هي وسيلة للإقناع والتأثير وتوضيح الحقائق بل وتحريك الشعوب.
في عالم التواصل الاجتماعي يتطلع الناس للمنظرين الكبار ويتوجهون لمعرفة آرائهم في قضية معينة، فهناك من يقتنع بقضية معينة فقط لأن أكاديميا كبيرا دعا لها، وترى من يهاجم فكرا معينا وينتقده ويحرك الناس ضده فقط لأن رمزا سياسيا أو دينيا يعارض ذاك الفكر، حتى أن من الناس من يتعرّف على مبادئ الموضوعية والحيادية وآداب الحوار عندما يرى عالمين جليلين يتحاوران برقي وود مع اختلاف آرائهما، كل ذلك دليل آثار الكتابة وتأثيرها، فأصبح الكاتب والعالم والمنظّر والأكاديمي مساءلين عن رقي المجتمع أو انحطاطه ومحاسبين على النتائج لأنهم اليوم أداة تكشف الحقائق وتوضّح الصورة وتفسّر الأحكام والقضايا.
قالها إيريك هوفر في كتابه «المؤمن الصادق» بأن رجال الكلمة والمثقفين هم المحرّك الأول في عملية التغيير والتطوير وتحسين حياة الشعوب وقد يكونون المحرك الأول لتدمير الشعوب، فإن مقالا واحدا لمفكر سياسي كفيل برفع وعي الشعوب تجاه قضية ما، ومقالاً آخر من مفكر مجتمعي قادر على تهدئة الشعوب وطمأنتهم، ومع ذلك فالصوت الذي يعلو ويُسمع هو صوت الشباب والحركة المجتمعية التي نراها هي حركة شبابية، ذلك لأن الشباب يشكلون النسبة الأكبر ويمتلكون حس العمل والبذل أكثر من غيرهم، كما أن الشباب يميلون للجانب العملي والحركي أكثر من الجانب التنظيري والتوعوي، مع أن هناك من الشباب من نبغ في الكتابة نبوغاً لا مثيل له وله من حكمة الآراء ما يُقنع الكبار والعلماء لكنه لا يفقد حس العمل أبداً.
الكاتب مسؤول عما يكتب والقارئ مسؤول عما يعمل، كما أن الكتابة في حد ذاتها عمل نتج من عصف ذهني وغربلة للأفكار وبحث عن الحقائق، فمن الإنصاف أن نقول بأن الخطر الذي يواجهه من يعبر عن رأيه بعمل لا يقل عن الخطر الذي يواجهه من يعبر عن رأيه بكلمة، وذلك لأننا نواجه عملاً مُنظماً تُغيّب من خلاله الحقائق وتُطمس الحقيقة ويُقتل أصحاب الرأي.
@anwar1992m
[email protected]