نادين البدير / الشريعة والعشق والصوفية

1 يناير 1970 07:19 ص
من كتاب (قواعد العشق الأربعون) للمؤلفة أليف شافاق.

«انه في القرن الثالث عشر المفعم بالصراعات الدينية والنزاعات السياسية والعراك على السلطة عاش جلال الدين الرومي الملقب بـ (مولانا) وصديقه شمس الدين التبريزي. بعد لقائهما تحول الرومي من رجل دين عادي الى شاعر صوفي وداعية الى الحب المنافي للصراع على السلطة باسم الأديان وقتها، كما دعا للروحانية العالمية. وبدلا من الدعوة للجهاد الخارجي (الحرب على الكفار) دعا الرومي الى الجهاد الداخلي (جهاد النفس)».

في أول لقاء بينهما جادل التبريزي كبير القضاة المتسلط قائلا « ان الشريعة كالشمعة، توفر لنا نوراً لا يقدر بثمن. لكن يجب ألا ننسى أن الشمعة تساعدنا على الانتقال من مكان الى آخر في الظلام، واذا نسينا الى أين نحن ذاهبون وركزنا على الشمعة فما النفع من ذلك؟».

وحين حذر القاضي التبريزي من أن خطا رفيعا بين أقواله وبين الكفر المحض قص عليه شمس هذه الحكاية.

«في احد الأيام كان موسى يسير في الجبال وحيدا عندما رأى من بعيد راعيا. كان جاثيا على ركبتيه ويداه ممدودتان نحو السماء يدعو. غمرت موسى السعادة لكنه عندما اقترب دهش وهو يسمع الراعي يصلي بالقول:

يا الهي الحبيب اني أحبك كثير سأفعل أي شيء من أجلك فقط قل لي ماذا تريد. حتى لو طلبت مني أن أذبح لأجلك خروفا سمينا في قطيعي فلن أتردد في ذلك.

اشويه وأضع دهن اليته في الرز ليصبح طعمه لذيذا.

صاح موسى: «توقف أيها الرجل الجاهل ماذا تظن نفسك فاعلاً؟ هل تظن أن الصلاة هكذا ... هذا كفر».

اعتذر الراعي ووعد أن يصلي كما علمه موسى. ومضى راضيا عن نفسه كل الرضا. وفي تلك الليلة سمع موسى صوتاً. يسأله: ماذا فعلت يا موسى؟ لقد أنبت الراعي المسكين. لعله لم يكن يصلي بالطريقة الصحيحة لكنه مخلص في قوله ان قلبه صاف ونيته طيبة.

فهم موسى خطأه وفي الصباح الباكر عاد للجبال ليجد الراعي يصلي لكن بالطريقة التي علمه اياها موسى. ولكي يؤدي الصلاة بالشكل الصحيح كان يتلعثم مفتقداً للعاطفة والحماسة كما كان يفعل سابقاً. ربت موسى على ظهره «يا صديقي لقد أخطأت أرجو أن تغفر لي. أرجو أن تصلي كما كنت تصلي من قبل». لم يشأ الراعي العودة لصلاته القديمة ولم يلتزم بالصلاة الرسمية التي علمه اياها موسى. فقد اكتشف طريقة جديدة للتواصل مع الله. وبالرغم من أنه كان راضياً وسعيداً بايمانه الساذج فقد تجاوز الآن تلك المرحلة.

ختم التبريزي « كما ترى لا تحكم على الطريقة التي يتواصل بها الناس مع الله فلكل امرئ طريقته وصلاته الخاصة. الله لا يأخذنا بكلمتنا بل ينظر الينا بأعماق قلوبنا وليست المناسك أو الطقوس هي التي تجعلنا مؤمنين بل ان كانت قلوبنا صافية أو لا».

الرواية التي تربط بين الماضي والحاضر ربطا مذهلا، لم انهها بعد، لكن انبهاري بها دفعني للكتابة عنها مقتبسة بعض من أجزائها لأدعوكم للاستمتاع بروعتها. تبدو النزاعات الدينية دوامات من الوحل المتحرك غرقنا بها منذ أكثر من ألف سنة ولا مجال للخروج منها. ويبق الحب عند الروحانيين هو الأمل الوحيد.

وعن الحب بين عزيز الصوفي وايلا اليهودية.

يخبرها عزيز أن الزمن بتصوره يتمحور حول اللحظة الراهنة وأي شيء سوى اللحظة ليس الا وهما لذا لا علاقة للحب بخطط الغد فلا يمكن للحب إلا أن يكون هنا والآن «أنا صوفي. طفل اللحظة الراهنة».

وترد عليه ايلا العصرية «من الغرابة أن تقول ذلك لامرأة تفكر بالماضي كثيرا وتفكر بالمستقبل أكثر وبطريقة ما لم تمسها اللحظة الراهنة».

اختتم هذه الاقتباسات بالعبارة الأجمل الى قلبي التي كتبها عزيز الى ايلا بطلة الرواية «أرجو أن يجدك الحب عندما لا تتوقعينه».

وشكراً لمن اهداني القواعد الأربعون واتمنى للجميع بداية البحث عن القاعدة الأولى لتصلوا الى الأربعين. اقرأوا هذا الكتاب. وأكثروا من العشق على طريقتكم.



كاتبة وإعلامية سعودية

[email protected]