| د. علي العنزي * |
على الرغم من الشعبية الكاسحة للدراما التلفزيونية، وسطوتها على الجمهور، وفرضها نفسها بالقوة على الشاشة الفضية، فإنها كثيرا ما وصفت على يد رهبان الأدب وسدنته، بالخفة والركاكة، وحرمت الأمل بالارتقاء لمستوى «الأدب» أو التحدر منه؟!
هناك تعصب شبه «عقائدي» لدى أهل الأدب صوب الأدب المقروء، والمستقرئ لأقلام النقاد، يلفي كثيراً من المعارك الساخنة، التي لطالما لاكت على صدر الصفحات الثقافية الدراما المرئية.
كان دوماً مدار المساجلات وحاصل النقاشات، إدانة القائلين إن الدراما التلفزيونية (أدباً مرئياً) بتهمة خيانة الكتاب!
أو بعبارة أكثر فصاحة، لنقل: بالنسبة لأي مثقف غيور، فإن التعايش مع جاثوم، أخف وطأة من التعايش مع استبدال الكتاب بـ «شاشة عرض وأنبوب كاثود».
لعله من البدهي، أن الإنسان مجبول على إنكار ما لا يعلم، ولعل الشكوك السابقة رهينة أيضاً بعامل الحداثة النسبية لتجربة الدراما التلفزيونية، ولقيانها قدراً من الإنكار والمقاومة بين صفوف الأدباء والنقاد، الخاشين من بأس الشاشة وجبروتها، في مواجهة ورقٍ خرعٍ في مجتمع غير فاعل ثقافياً.
إن إجالة النظر سريعاً في طبوغرافيا الفضائيات، تبين أن الدراما التلفزيونية، تغلغلت بلا وسيط داخل كل البيوت، ولم يعد مجدياً الاقتراب الوئيد منها بدعوى السطحية، ولا حتى رفض ارتقاء الجاد منها لمصاف صناعة الأدب، من باب الرفض الراديكالي لكل جنس دخيل خرج على التقاليد الماضية.
إن هاته المقاومة تذكرنا بإدانة الفيلسوف الأثيني سقراط بتهمة الهرطقة، وإعدامه... وتعيد إلى الأذهان أيضاً موقف قساوسة البندقية من العالم الإيطالي جاليليو جاليلي، الذي ما برحت الكنيسة ترغمه أن يقر علانية بما قرره أساقفة الكتاب المقدس، من أن الأرض ثابتة ولا تتحرك، وتعد بؤرة الكون ومقره!
ولعلنا لا نجد غضاضة من الإبانة، أن المحاكم لم تدن سقراط بتهمة تخريب عقول الشباب الاثينيين، ولم تُخَطِئ جاليليو بشأن نظرية نيكولاس كوبرنيكوس، بقدر ما جُرِّم الاثنان لمجرد أنهما أتيا بجديد!
والحاصل، أن هناك تجربة خليقة بالذكر بشأن الدراما التلفزيونية والأدب، وتستحق منا وقفة متأنية لإبانة أمور كثيرة وجوانب متعددة بشأن هذا الجنس الفني، وهي تجربة أحد أهم المؤلفين وكتاب السيناريو في الدراما التلفزيونية المصرية والعربية أسامة أنور عكاشة ما بين 1967 و1968، الذي ما زال مهيمنا على الشاشة الفضية حتى وهو تحت الثرى، ولذا السبب سنقف ونتوقف عندها بالتفصيل الممل في مقالنا المقبل.
* أستاذ النقد والأدب
[email protected]