المسلم مطالب باتباع مجموعة من الضوابط والقواعد الشرعية للحذر منها واتقائها

الفتن... لا تصيب الظالم وحده وكثرتها من علامات آخر الزمان والاعتصام بحبل الله والتزام الجماعة يقضي عليها في مهدها

1 يناير 1970 06:36 م
| إعداد عبدالله متولي |

شهد التاريخ الإنساني منذ القدم موجات من الفتن التي كانت سببا مباشرا للاختلاف والفرقة والاقتتال وسفك الدماء والتدمير والخراب، وقد شهد التاريخ ضياع ممالك واندحار أمم ومجتمعات ونشوب حروب بسبب الفتن التي قد يكون مبعثها سفاسف الأمور، ومما لاشك فيه أننا نعيش في زمن تكثر فيه الفتن، ولذلك يجب على المسلم أن يتعوذ بالله جلَّ وعلا من الفتن، لأنها تحرق الدين، وتحرق العقل، وتحرق البدن، وتحرق كل خير، ولا خير في فتة أبداً؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوَّذ بالله كثيراً من الفتن، وكان عليه الصلاة والسلام يحذَّر منها.

لأنها إذا أتت؛ فإنها لا تصيب الظالم وحده، وإنما تصيب الجميع، ولذلك يجب علينا أن نحذرها قبل وقوعها، وأن نباعد أنفسنا حقّاً بعداً شديداً عن كل ما يقرب إلى الفتنة أو يدني منها؛فإنَّ من علامات آخر الزمان كثرة الفتن؛ كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يتقارب الزمان، ويقلُّ العمل، ويلقى الشح، وتكثر-أو قال: تظهر- الفتن».

وذلك لأن الفتن إذا ظهرت؛ فإنه سيكون معها من الفساد ما يكون مدنياً لقيام الساعة.

ومن رحمة نبي الله صلى الله عليه وسلم بنا: أن حذَّرنا من الفتن كلها.

واللــــه جــــلَّ وعــــلا قد حــــذَّرنا بقــــوله: «وَاتَّقُـــــوا فِـــــتْنَةً لا تُصــــِيبَنَّ الَّــــذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةًُ».

قال الألوسي رحمه الله في « تفسيره » عند هذه الآية:« فسرت الفتن في قوله: «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةًُ»؛ فسرت بأشياء: منها: المداهنة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على البدع إذا ظهرت. ومنها: أشياء غير ذلك». قال: «ولكلّ معنى بحسب ما يقتضيه الحال».

يعني: أنه إذا كان الزمان زمان تفرُّق واختلاف؛ فليحذِّر بعضنا بعضاً بقوله: «وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةًُ»؛ يعني: اتقوا تفرّقاً واختلافاً لا يصيب مآله ولا تصيب نتيجته الذين ظلموا منكم خاصة، وإنما يصيب الجميع، ولا يخص ذلك الأثر-للتفرق والاختلاف مثلاً- الظالم وحده.



إذا ما ظهرت الفتن أو أطلت برأسها فإن المسلم مطالب باتباع مجموعة من الضوابط والقواعد الشرعية للحذر منها واتقائها حتى يسلم من شرها ويسلم المجتمع ككل من الوقوع في أتونها، وقد عدد العلامة الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ هذه الضوابط ولخصها على النحو التالي:

• الضابط الأول: أنه إذا ظهرت الفتن، أو تغيرت الأحوال؛ فعليك بالرفق والتأنِّي والحلم، ولا تعجل.

أما الرفق -؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيما ثبت عنه في الصحيح: «ما كان الرفق في شيء؛ إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه».

قال أهل العلم: قوله: «ما كان في شيء إلا زانه»: هذه الكلمة:« شيء»: نكرة أتت في سياق النفي، والأصول تقضي بأنها تعم جميع الأشياء؛ يعني: أن الرفق محمود في الأمر كله.

أما الأمر الثاني؛ فعليك بالتأني؛ يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم لأشج عبدالقيس: «إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة ».

والتأنّي خصلة محمودة، ولهذا قال جلّ وعلا: «ويدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا...».

قال أهل العلم: هذا فيه ذمُّ للإنسان، حيث كان عجولاً؛ لأن هذه الخصلة؛ من كانت فيه؛ كان مذموماً بها، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم غير متعجل.

وأما الأمر الثالث؛ فهو الحلم، والحلم في الفتن وعند تقلب الأحوال محمود أيما حمد، ومثنىً عليه أيما ثناء؛ لأنه بالحلم يمكن رؤية الأشياء على حقيقتها، ويمكن بالحلم أن نبصر الأمور على ماهي عليه.

ثبت في « صحيح مسلم » من حديث الليث بن سعد عن موسى بن عُليّ عن أبيه: أن المستورد القرشي - وكان عنده عمرو بن العاص رضي الله عنه -؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « تقوم الساعة والروم أكثر الناس». قال عمرو بن العاص له - للمستورد القرشي -: أبصر ما تقول! قال: وما لي ألا أقول ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال: إن كان كذلك؛ فلأن في الروم خصالاً أربعاً: الأولى: أنهم أحلم الناس عند الفتنة. الثانية: أنهم أسرع الناس إفاقةً بعد مصيبة... وعد الخصال الأربع وزاد عليها خامسة.

• الضابط الثاني: أنه إذا برزت الفتن وتغيرت الأحوال، فلا تحكم على شيء من تلك الفتن أو من تغير الحال إلا بعد تصوُّره؛ رعاية للقاعدة: «الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره».

وهذه القاعدة رعاها العقلاء جميعاً قبل الإسلام وبعد الإسلام، ودليلها الشرعي عندنا في كتاب الله جل وعلا: قال الله جل وعلا: «ولا تقف ما ليس لك به علم»؛ يعني: أن الأمر الذي لا تعلمه ولا تتصوره ولا تكون على بينة منه؛ فإياك أن تتكلم فيه، وأبلغ منه أن تكون فيه قائداً، أو أن تكون فيه متبعاً، أو تكون فيه حكماً.

وهذه القاعدة: «الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره»: أساسها التصور، ولا يمكن أن يكون صحيحاً في الشرع إلا إذ كان من مسلم عدلٍ ثقة، أو كان من المستفتي نفسه، ولو كان فاسقاً.

• الضابط الثالث: أن يلزم المسلم الإنصاف والعدل في أمر كله.

يقول الله جلَّ وعلا: «وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى» (الأنعام: من الآية152)... ).

ويقول جلَّ وعلا: «وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى» (المائدة:8)

وهذه مسألة مهمة، وقاعدة لا بدَّ من رعايتها؛ لأنه مَن لم يرع هذه القاعدة؛ دخل الهوى إلى قلبه من مصراعيه، ولم يأمن أن يفتح باب الهوى على غيره، ومن ثم يكون داخلاً في قول النبي صلى الله عليه وسلم: « ومَن سنَّ سنَّة سيئة؛ فعليه وزرها ووزر مَن عمل بها إلى يوم القيامة »، وتكون المصيبة أعظم إذا كان الفعل ممَّن ينتسب إلى العلم والهدى؛ لأنه يقتدي بفعله الجاهل، ويقتدي بفعله نصف المتعلم.

فإذا؛ لابدَّ من أن نرعى هذه القاعدة في أمرنا كله، ومَن سلم من الهوى؛ فإن الله جل وعلا سينجيه في الآخرة والأولى.

• الضابط الرابع: ما دلَّ عليه قول الله جلَّ وعلا: «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا» (آل عمران: من الآية 103).

وبيَّن النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية، فقال: «عليكم بالجماعة، وإياكم والفرقة».

وثبت أيضا في الحديث الذي رواه عبدالله بن أحمد في «زوائد مسند أبيه»»: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الجماعة رحمة، والفرقة عذاب».

الفرقة بجميع أنواعها - في الأفكار، أو في الأقوال، أو في الأعمال - عذاب يعذِّب الله جلَّ وعلا به مَن خالف أمره وذهب إلى غير هداه.

لهذا؛ مَن لزم الجماعة - جماعة أهل السنة والجماعة - واقتدى بأئمتهم وعلمائهم؛ فإنه قد لزم الجماعة، ومَن تفرَّق عنهم؛ فإنه لا يأمن على نفسه أن يكون ممَّن ذهب إلى الفرقة وعذب بعذاب من عذاب الله في الحياة الدنيا.

ولهذا؛ قال عليه الصلاة والسلام: «الجماعة رحمة، والفرقة عذاب».

الجماعة بجميع أنواعها، وبجميع صفاتها، إذا كانت على الهدى والحق، فهي رحمة، يرحم الله جلَّ وعلا بها عباده، والفرقة عذاب؛ لا خير في التفرق، لا خير فيه أبداً.

• الضابط الخامس: أن الرايات التي ترفع في الفتنة - سواء رايات الدول أو رايات الدعاة - لا بدَّ للمسلم أن يزنها بالميزان الشرعي الصحيح، ميزان أهل السنة والجماعة، الذي مَن وزن به؛ فإن وزنه سيكون قسطاً غير مجحف في ميزانه؛ كما قال جلَّ وعلا في ميزانه: «وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئا»(الأنبياء: من الآية 47).

فلذلك أهل السنة والجماعة لهم موازين قسط يزنون بها الأمور، ويزنون بها الأفكار، ويزنون بها الأحوال، ويزنون بها الرايات المختلفة عند اختلاف الأحوال، وتلك الموازين تنقسم إلى قسمين:

- القسم الأول: موازين يوزن بها الإسلام من عدمه؛ يعني: يوزن بها صحة دعوى الإسلام من عدم صحة تلك الدعوى.

الرايات التي ترفع وتنسب إلى الإسلام كثيرة؛ فلابدَّ أن تزن تلك الراية، فإن كانت مسلمة؛ ترتَّب على ذلك أحكام شرعيَّة لا بدَّ لك من رعايتها؛ استجابة لما أمر الله به وأمر به النبي صلى الله عليه وسلم.

- القسم الثاني: موازين نعرف بها كمال الإسلام من عدمه، والاستقامة على الإسلام من عدم الاستقامة.

• الضابط السادس: أن للقول والعمل في الفتن ضوابط؛ فليس كل مقال يبدو لك حسناً تظهره، وليس كل فعل يبدو لك حسناً تفعله؛ لأن الفتنة قولك فيها يترتَّب عليه أشياء، ولأن الفتنة عملك فيها يترتَّب عليه أشياء...

والمقصود من هذا: أنه في الفتن ليس كل ما يعلم يُقال، ولا كل ما يُقال يُقال في كل الأحوال.

فلابدَّ من ضبط الأقوال؛ لأنك لا تدري ما الذي سيحدثه قولك؟ وما الذي سيحدثه رأيك؟ وما الذي سيحدثه فهمك؟

والسلف رحمهم الله أحبو السلامة في الفتن، فسكتوا عن أشياء كثيرة؛ طلباً للسلامة في دينهم، وأن يلقوا الله جلَّ وعلا سالمين.

• الضابط السابع: أن الله أمر بموالاة المؤمنين وخاصة العلماء:

فالمؤمنون والمؤمنات - كما قال جلَّ وعلا -: (بعضهم أولياء بعض)؛ كل مؤمن لا بدَّ له وفرض عليه: أن يحب المؤمنين، وأن ينصرهم وأن يجتنب السخرية منهم؛ فكيف إذا كان أولئك المؤمنون هم أنصار شرع الله، وهم الذين يبيَّنون للناس الحلال والحرام، وهم الذين يبيَّنون للناس الباطل؟!

فيحرم أن يذكر العلماء إلا بخير.لأن العلماء ورثة الأنبياء؛ فإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورَّثوا العلم، فمَن أخذه؛ أخذ بحظٌّ وافر.

فمن احترم العلماء، وأجلَّ العلماء، وأخذ بمقال العلماء أهل السنة والجماعة - أهل التوحيد -؛ فإنه أخذ بميراث النبوة، ولم يدع ميراث النبوة إلى غيره.

• الضابط الثامن:وهو ضابط مهم، لا بدَّ من أن يكون لك على بال، هو ضابط التولي للكفار:

فهاهنا عندنا في الشرع، وعند أئمة التوحيد، لفظان لهما معنيان، يلتبس أحدهما بالآخر عند كثيرين:

الأول: التولي.

الثاني: الموالاة.

التولي: مكفر.

الموالاة: غير جائزة.

والثالث: الاستعانة بالكافر واستئجاره: جائزة بشروطها.

- أما التولي؛ فهو الذي نزل فيه قول الله جلَّ وعلا: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ» (المائدة:51)

وضابط التولي: هو نصرة الكافر على المسلم وقت الحرب المسلم والكافر، قاصداً ظهور الكفار على المسلمين.

فأصل التولي: المحبة التامة، أو النصرة للكافر على المسلم، فمَن أحب الكافر لدينه؛ فهذا قد تولاَّه تولياً، وهذا كفر.

- وأما موالاة الكفار؛ في مودتهم، ومحبتهم لدينهم، وتقديمهم، ورفعهم، وهي فسق وليست كفراً.

قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ» (الممتحنة:1)

قال أهل العلم: ناداهم باسم الإيمان، وقد دخل في النداء من ألقى المودة للكفار، فدلَّ على أن فعله ليس كفراً، بل ضلال عن سواء السبيل.

وذلك لأنه ألقى المودة، وأسر لهم؛ لأجل الدنيا، لا شكّاً في الدين.

ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لمَن صنع ذلك: ما حملك على ما صنعت؟ قال: والله ما بي إلا أن أكون مؤمناً بالله ورسوله، أردت أن تكون لي عند القوم يد يدفع الله بها عن أهلي ومالي... الحديث أخرجاه في الصحيحين.

فمن هذا يتبيَّن أن مودة الكافر والميل له لأجل دنياه ليس كفراً إذا كان أصل الإيمان والاطمئنان به حاصلاً لمن كان منه نوع موالاة.

- وأما الاستعانة بالكافر على المسلم أو استئجاره؛ فهذا قال أهل العلم بجوازه في أحوال مختلفة؛ يفتي أهل العلم في كل حال، وفي كل واقعة، بما يرونه يصح أن يُفتى به.

وأما إعطاء الكفار أموالاً صدقة أو للتآلف أو لدفع الشرور فهذا له مقام آخر، وهو نوع آخر غير الأقسام الثلاثة.

• الضابط التاسع: ألا تطبق - أيها المسلم - أحاديث الفتن على الواقع الذي تعيش فيه؛ فإنه يحلو للناس عند ظهور الفتن مراجعة أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في الفتن، ويكثر في مجالسهم: قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا؛ هذا وقتها، هذه هي الفتن! ونحو ذلك.

والسلف علَّمونا أن أحاديث الفتن لا تنزَّل على واقع حاضر، وإنما يظهر صدق النبي صلى الله عليه وسلم بما أخبر به من حدوث الفتن بعد حدوثها وانقضائها، مع الحذر من الفتن جميعاً.

فمثلاً: بعضهم فسر قول النبي صلى الله عليه وسلم: إن الفتنة في آخر الزمان تكون من تحت رجل من أهل بيتي؛ بأنه فلان ابن فلان، أو أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: حتى يصطلح الناس على رجل كورك على ضلع؛ بأن المقصود به فلان ابن فلان، أو أن قال النبي صلى الله عليه وسلم: يكون بينكم وبين الروم صلح آمن... إلى آخر الحديث وما يحصل بعد ذلك؛ أنه في هذا الوقت.

وهذا التطبيق لأحاديث الفتن على الواقع، وبث ذلك في المسلمين، ليس من منهج أهل السنة والجماعة.

وإنما أهل السنة والجماعة يذكرون الفتن وأحاديث الفتن؛ محذِّرين منها، مباعدين للمسلمين عن غشيانها أو عن القرب منها؛ لأجل ألا يحصل بالمسلمين فتنة، ولأجل أن يعتقدوا صحة ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.





معنى كلمة الفتنة في القرآن الكريم والسنة النبوية



أولاً: الفتنة في اللغة:

قال الأزهري: جماع معنى الفتنة في كلام العرب: الابتلاء، والامتحان وأصلها مأخوذ من قولك: فتنتُ الفضة والذهب، أذبتهما بالنار ليتميز الردي من الجيد، ومن هذا قول الله عز وجل: «يوم هم على النار يفتنون» أي يحرقون بالنار (تهذيب اللغة 296/14). قال ابن فارس: «الفاء والتاء والنون أصل صحيح يدل على الابتلاء والاختبار» (مقاييس اللغة 4 / 472). فهذا هو الأصل في معنى الفتنة في اللغة.

قال ابن الأثير: الفتنة: الامتحان والاختبار... وقد كثر استعمالها فيما أخرجه الاختبار من المكروه، ثم كثر حتى استعمل بمعنى الإثم والكفر والقتال والإحراق والإزالة والصرف عن الشيء.( النهاية 410/3). وبنحو من هذا قال ابن حجر في الفتح (13 /3).

وقد لخص ابن الأعرابي معاني الفتنة بقوله: «الفتنة الاختبار، والفتنة: المحنة، والفتنة: المال، والفتنة: الأولاد، والفتنة الكفر، والفتنة اختلاف الناس بالآراء والفتنة الإحراق بالنار». (لسان العرب لابن منظور).

ثانيا: معاني الفتنة في الكتاب والسنة:

1 - الابتلاء والاختبار: كما في قوله تعالى: «أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ» (العنكبوت/2)، أي وهم لا يبتلون كما في ابن جرير

2 - الصد عن السبيل والرد: كما في قوله تعالى «وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْك» (المائدة من الآية 49) قال القرطبي: معناه: يصدونك ويردونك.

3 - العذاب: كما في قوله تعالى: (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل:110) فتنوا: أي عذبوا.

4 - الشرك، والكفر: كما في قوله تعالى: «وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ» (البقرة 193) قال ابن كثير: أي شرك.

5 - الوقوع في المعاصي والنفاق: كما في قوله تعالى في حق المنافقين «وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِي» (الحديد/من الآية 14) قال البغوي: أي أوقعتموها في النفاق وأهلكتموها باستعمال المعاصي والشهوات.

6 - اشتباه الحق بالباطل: كما في قوله تعالى: «وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ» (الأنفال/73) فالمعنى: «إلا يوالى المؤمن من دون الكافر، وإن كان ذا رحم به» (تكن فتنة في الأرض) أي شبهة في الحق والباطل». كذا في جامع البيان لابن جرير.

7 - الإضلال: كما في قوله تعالى: «ومن يرد الله فتنته» (المائدة/ 41)، فإن معنى الفتنة هنا الإضلال.البحر المحيط لأبي حيان (4 / 262)

8 - القتل والأسر: ومنه قوله تعالى: «وإن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا» (النساء /101). والمراد: حمل الكفار على المؤمنين وهم في صلاتهم ساجدون حتى يقتلوهم أو يأسروهم. كما عند ابن جرير.

9 - اختلاف الناس وعدم اجتماع قلوبهم: كما في قوله تعالى: «ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة» أي يوقعون الخلاف بينكم كما في الكشاف (2 / 277).

10 - الجنون: كما في قوله تعالى «بأيِّكم المفتون». فالمفتون بمعنى المجنون.

11 - الإحراق بالنار: لقوله تعالى: «إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات».

(البروج:10)

قال ابن حجر: ويعرف المراد حيثما ورد بالسياق والقرائن. الفتح (11 / 176)

قال ابن القيم رحمه الله: «وأما الفتنة التي يضيفها الله سبحانه إلى نفسه أو يضيفها رسوله إليه كقوله: «وكذلك فتنا بعضهم ببعض» وقول موسى: «إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء» فتلك بمعنى آخر وهي بمعنى الامتحان والاختبار والابتلاء من الله لعباده بالخير والشر بالنعم والمصائب فهذه لون وفتنة المشركين لون، وفتنة المؤمن في ماله وولده وجاره لون آخر، والفتنة التي يوقعها بين أهل الإسلام كالفتنة التي أوقعها بين أصحاب علي ومعاوية وبين أهل الجمل، وبين المسلمين حتى يتقاتلوا ويتهاجروا لون آخر. زاد المعاد ج: 3 ص: 170.