تعود بي الذكرى إلى الحرب الأهلية الأولى عام 1958 والتي تركت أثراً لدى اللبنانيين في حينها وانتهت الحرب في ذلك الوقت باجتماع في بيروت بين الفرقاء ممن كانوا زعماء وكانوا دائما حتى أثناء القتال... أصدقاء.
ولن أخوض كثيرا بها، لأنها انتهت بـ«لا غالب ولا مغلوب»، وكأن هذا الشعار أصبح ملزماً ومقرراً علينا نحن اللبنانيون. وجاء بعدها القائد فؤاد شهاب ابن المؤسسة العسكرية الملجأ الآمن والجامع الأكبر للبنانيين كلهم، جاء بعد مرارة ما حصل وجاء ليحمل ثقلاً كبيراً خلفه له اختلاف الدول الأخرى العربية والأجنبية في حينها، جاء بناء على توافق الرئيس جمال عبد الناصر، رئيس الجمهورية العربية المتحدة آن ذاك وبين الأميركيين وكان توافقاً إقليمياً وعربياً.
ومن خلال قيادة شهاب للجيش بدءاً من الاستقلال عندما كان قائداً لإحدى الفرق العسكرية استطاع أن يبني الجيش اللبناني الذي ابى أن يخضع للفرنسيين في ظل الاحتلال الفرنسي وأيضاً الذي أؤتمن على الحكومة الانتقالية وقام بتسليمها من دون التمسك أو الاستئثار بها ومن دون أن يصيبه الطمع في الجلوس على كرسي الرئاسة، وكما كانت له حكمته في علاج الحرب الأهلية التي عصفت بالبلاد عام 1958.
أتى التوافق الدولي على شخصه في كيفية معالجة الأزمة في البلاد وتمكن أن يكسب ثقة الجميع في لبنان وخارجه وانعكس حكمه في ذاك الوقت على استتباب الأمن والطمأنينة عن اللبنانيين كلهم، لا بل كسبت البلاد ثقة العالم العربي، وكان ذلك عندما هبت في بعض الدول العربية أنظمة اشتراكية عملت على تأميم الاقتصادات العربية لتلك الدول، وانعكست حال الاستقرار السياسي والأمني على اقتصاد البلاد وازدهارها.
وعند انتهاء ولايته عام 1964 لم يتمسك في إعادة ترشيحه التي كان أنصاره يطالبون بتجديدها، وفضل أن يعود إلى صفوف الشعب تاركاً وراءه ذكرى لدى اللبنانيين بأنهم عاشوا فترة ازدهار وطمأنينة في عهده. وانتقل إلى ذمة ربه في عام 1976 عندما ابتدأ الفصل الثاني للحرب الأهلية، وانتقلت الرئاسة من هالك إلى مالك إلى...؟ وإلى يومنا هذا زهقت أرواح الكثيرين من اللبنانيين... اللبنانيين.
وجاءت المرحلة الجديدة من القيادة للرئاسة بعد أن سبقها قياديون، والله أعلم والتاريخ سوف يذكر عنهم كل واحد بما عملت يداه.
وتأتي المرحلة الجديدة لتسلم القيادة والتي لا نريدها مرحلة تسلم رئاسة فقط والمعنى بالقيادة. قيادة شعب عاش بين تجاذبات كثيرة في الرئاسات، والرئاسة تعني دائماً رئاسة حزب أو شركة أو جمعية اجتماعية، وهي أقل من أن تكون قيادة رجال يقودون بلادهم بأيام تعصف بها الأزمات والويلات.
نعم أيها القائد، جاء عهدك، ونطالبك بأن تكون القائد لهذه الأمة المتشوقة لمن يقودها إلى بر الامان، وأنت ابن المؤسسة التي ساهم بها القائد فؤاد شهاب... ساهم في عزها وشموخها، كما أنت ساهمت، ومن خلال الأزمات كافة التي مرت وأنت على سدة قيادتها... لا بل من أيام تدرجك بها، كنت دائماً تساهم في عزها وشموخها، وكبرت أمامك المسؤولية وأنت تتسلمها والجميع متوافق عليك عربياً ودولياً لا بل الجميع متفق عليك لبنانياً... لبنانياً.
لأنك أنت اللبناني الذي وقفت مواقف العزة والكرامة بوجه إسرائيل ونهر البارد وعالجت الأمور الأخرى بكل حكمة وروية مع جميع الفرقاء أتى اليوم ليكون للبنان قائد للبنانيين كلهم، يقودهم إلى بر الأمان، يقودهم إلى التآخي والترابط والتوافق والمحبة، ويعود بالسفينة التي هاجرت بأبنائها في بقاع الأرض لكسب قوتهم والهرب من شبح الحرب الجاهلية، ويعود بهم إلى وطنهم لبنائه وازدهاره، ولكي يعود إليه كل من أحبه من جميع الأمم ويعود لبنان شامخا كأرزه... فهنيئاً لك يا شعب لبنان بقائدك... فخامة الرئيس العماد ميشال سليمان.
حسان حوحو