لا يسعنا إلا أن نبارك للبنان إنهاء الخلافات بين أبنائه وتوحيد صفوفه واختيار رئيس للجمهورية، كما نحيي الدور القطري المتميز في السعي لحل الخلاف ورأب الصدع. من يصدق بأن بلداً يحكمه دستور يستمر ستة أشهر دون رئيس للجمهورية بالرغم من الاتفاق على شخصية محددة؟! ومن يصدق بأن تتحول عاصمته إلى ثكنة عسكرية حوالي سنة ونصف السنة بسبب اعتصام مجموعة ومحاصرتها لمبنى البرلمان والحكومة وتهديدها بتفجير الوضع ثم يتحول الأمر في النهاية إلى تصادمات وقتال شرس بين المواطنين؟! ومن يصدق بأن مسلسل الاغتيالات السياسية يختطف خيرة أبناء البلد ويحول لبنان إلى أفغانستان والعراق؟!
أذكر بأني قررت مع أهلي السفر الى لبنان الصيف الماضي بضعة أيام للراحة والاستجمام، وهو من أفضل البلدان العربية في الصيف، ولكننا ذهلنا عندما أخذنا التاكسي الى منطقة «السوليدير» المشهورة فقد كانت كئيبة وشبه خالية، وأغلب المحلات والمطاعم فيها مغلقة، وقد تركزت المدرعات وسيارات الجيش والمتاريس حولها، ومن ورائها خيام المعارضة التي اكتظت بالمعتصمين، فشعرت بالحزن على لبنان وتذكرت تلك المنطقة التي كانت لا تنام ليلاً ويؤمها آلاف السياح من جميع بلدان العالم. حتى المصايف الجميلة ذات الطقس الممتع كانت شبه خاوية من السياح، والناس في المحلات يقضون الساعات الطويلة في نقاش الأوضاع ويحتدون في النقاش، وكم من سائق تاكسي أو صاحب محل اشتكى لنا بؤس حاله وخسارته الكبيرة، وأذكر بأننا قد ذهبنا إلى موقف للتاكسي وسألناه أن يوصلنا الى بيروت، ثم اتفقنا معه، وقبل أن نركب معه فإذا بزميله يوجه له كلاماً قاسياً ويتهمه بأنه قد خالف الدور الذي كان ينتظره ساعات عدة، ثم اشتبكا بالأيدي، فما كان منا إلا أن هربنا من المكان قبل أن نرى الدماء تسيل، كل ما نتمناه هو أن يستمر أهل لبنان على اتفاقهم وأن يرفضوا التدخلات الخارجية التي دمرتهم وفتنتهم، وأن يتفرغوا لبناء دولتهم، وأن يحتذي بقية العرب بذلك ويوحدوا صفوفهم، لا سيما في فلسطين المحتلة التي تواجه أشرس عدوان في التاريخ ومحاولة طمس هويتهم، وفي الصومال التي ترحمت على أيام الطاغية «سياد بري» بعدما لاقته من تفكك ودمار، والسودان الذي أصبحنا لا ندري مَنْ يحارب فيه مَنْ!! والعراق الذي اعتقد بعض أهله بأن عزتهم في الهيمنة على البلد لكنها أدركت أخيراً بأنها قد دمرت البلد بكامله وخسرت أنفسها وبلادها.
عصرُكم حُرٌّ ومستقبلَكُم
في يمينِ اللهِ خيرِ الأُمنَاءِ
لا تقولوا حطَّنا الدَّهرُ، فما
هوَ إلاَّ من خيالِ الشُّعراءِ
واقرأوا تاريخكم واحتفظوا
بفصيحٍ جاءكَم من فُصَحاءِ
أنزلَ اللهُ على ألسنِهم
وَحْيَهُ في أعصُرِ الوحيِ الوضاءِ
واحكموا الدنيا بسلطانٍ فما
خلقتْ نُضرتُها للضعفاءِ
واطلبوا المجدَ على الأرضِ، فان
هيَ ضاقت فاطلبوهُ في السماءِ
للشاعر أحمد شوقي
د. وائل الحساوي
[email protected]