أنوار مرزوق الجويسري / فواصل فكرية / البيروقراطية والشباب

1 يناير 1970 06:32 ص
| أنوار مرزوق الجويسري |

«البيروقراطية هي مفهوم يشير إلى تطبيق القوانين بالقوة في المجتمعات المنظّمة، وتعتمد هذه الأنظمة على الإجراءات الموحّدة وتوزيع المسؤوليات بطريقة هرمية وبتأثير العلاقات الشخصية»، ذلك هو التعريف النظري للبيروقراطية، أما التعريف الواقعي فتعبّر عنه الحكومات وغالبية مؤسسات الدولة والشركات الحكومية، ذلك يعني أن الدول التي لا تعتمد على التخصيص في القطاعات العامة تنحى منحى البيروقراطية في الإدارة، والغالبية العظمى من أبناء مجتمعنا يلجأون للعمل في القطاع الحكومي رغبةً في تأمين المستقبل كما يٌقال، ولأن العمل في القطاع العام أكثر أماناً منه في القطاع الخاص، إلا أن الكل يعلم أن من يدخل القطاع العام ستُجمّد إبداعاته وتتراخى عطاءاته وتبرد همته إلا قليل من العاملين.

الذي يؤمن بشمولية الإسلام ويؤمن بأنه منهج للحياة بكل جوانبها سيعترف بلا شك بقيمة العمل كأرفع القيم شأناً، وسيعتبر أداء العمل شكلاً من أشكال العبادة ومعيارا يدل على خلق الإنسان وأمانته، كما أن الشباب أولى الفئات في تبني هذا المفهوم الذي يجر الثقافة الإنتاجية ويقلل من قيمة الاستهلاكية، لكن الحديث الواقعي يحتم علينا معرفة رأي الشباب بهذا المبدأ، اقتناعهم به من عدمه؟ ومعرفة رأيهم بحب العمل والشغف به والسعادة خلال أدائه.

الإجابة عن تلك التساؤلات لا تتضح إلا بمعرفة علاقة الشباب بالبيروقراطية وتأثير كل منهم على الآخر.

من صفات الشباب الاندفاع والحماس والقوة والنشاط، ومن صفات البيروقراطية الثبات والخمول والإجبار والتسلّط، لا يخفى على أحد بعد تلك المقارنة المتواضعة كيف سيكون شعور شاب مملوء بالإثارة والشغف توظّف حديثاً حينما يعمل في بيئة تجبره على العمل في غير تخصصه، ولا يجهل أحد شعور الشاب الذي رضي بأن يعمل في غير تخصصه واجتهد في العمل ثم يترقى زميله صاحب العلاقات الشخصية الذي لا يعرف عن العمل شيئا، تلك سمات البيروقراطية التي يعمل الشاب في جوها، فهل سنتساءل بعد ذلك عن تغيّب الشباب عن وظائفهم؟ أو عن غياب الفكر الانتاجي لدى الشباب؟ وهل سنستغرب علو قيمة الفراغ والراحة على قيمة العمل؟ لا أظن ذلك.

ليس الهدف الدفاع عن الشباب والتعذّر لهم، فالتعذّر لهم جريمة تربوية عظمى يرفضها التربويون، إلا أن آثار الإدارة البيروقراطية بدأت تنتشر وتزداد خطورةً وتفلتاً، فكان لزاماً علينا الكشف عن عيوبها ومساوئها، وإن كانت تؤثر على الشباب من جهة فهي تؤثّر على المجتمع من جهات عدة، وليس المقال إلا دعوةً في التخفيف من النفس البيروقراطي في الإدارة ليس في الحكومات فحسب بل حتى في منازلنا، كي لا يمل الشاب من عمله ولا يمل الطفل من بيته ولا يمل الطالب من مدرسته، فلنتعلم أساليب الإدارة المرنة المتطورة عملياً ومجتمعياً وتربوياً ونفسياً، وما ذلك إلا لتحقيق طموح أبنائنا وبلادنا.





@anwar1992m

[email protected]