من روائع العمارة الإسلامية

منطقة الشندغة التاريخية في دبي

1 يناير 1970 06:40 م
| جاد الله فرحات * |

على بعد اقل من بضعة كيلومترات من أطول برج في العالم، ومنطقة الخليج التجارية المليئة بناطحات السحاب، تقبع منطقة الشندغة التراثية في** وسط مدينة دبي القديمة، والتي مازالت تحتفظ بالطابع التراثي القديم للامارة، التي غزاها التطور العمراني. «الشندغة» ظلت وفية لتراث دبي، على الأقل لتقول للعالم انها حاضر وماض أيضا.

واذا كان الملايين من زوار دبي سنويا يبهرون بالتطور الاقتصادي المستمر في الامارة، فهم بالتأكيد لا يعلمون ان لدبي وجها آخر، يربطها بذلك الزمن الجميل، والماضي العريق، عندما كانت «الشندغة» هي واجهة دبي، وسوقها، وميناءها، ومركزها التجاري العتيد، ومقر حكومتها.

ويعود تاريخ انشاء الشندغة الى حوالي عام 1862، حيث اكتسبت أهميتها بفعل موقعها الاستراتيجي خاصة وانها كانت منطقة استقرار لأسرة آل مكتوم الحاكمة. وظهرت الأهمية التاريخية للمنطقة أواخر القرن التاسع عشر عندما أدت زيادة السكان في المدينة الى ظهور الحاجة لتخطيط جديد للمدينة وانشاء أحياء سكنية جديدة، فأصبحت منطقة الشندغة تضم سكن العائلة الحاكمة ومعظم قبيلة بني ياس. وانتقل حاكم دبي السابق الشيخ مكتوم بن حشر آل مكتوم في أواخر القرن التاسع عشر، للمنطقة التي تطل على مدخل خور دبي من جهة الجنوب، وتشرف على منفذ المدينة البحري، وشريانها الحيوي. حيث كان لهذا الانتقال دور في أهميتها التاريخية والسياسية والاقتصادية في ذلك الوقت.

ولان دبي تريد ان يبقى للماضي شيء ولو كان يسيرا، يذكر جيلها الحالي بتاريخ الامارة، ازداد اهتمام سلطات الامارة بهذه المنطقة في الآونة الأخيرة، لتصبح مزارا سياحيا، تذكر الزوار بالعادات والتقاليد التي عاشها أهل دبي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر. ووضعت بلدية دبي خطة لاعادة انشاء وترميم وتأهيل المباني في المنطقة لتمارس فيها الحياة الطبيعية بشكل اعتيادي. وبدأت اعمال المرحلة الاولى في عام 1996 حيث شملت احياء الممر الساحلي الواقع عليه مجموعة من المباني ذات القيمة التاريخية منها بيت الشيخ سعيد آل مكتوم، وقريتي الغوص، والتراث، وبيت الشيخ عبيد بن ثاني، والعديد من المساجد التقليدية. وفي اطار المرحلة الثانية التي بدأت عام 2005 تولى قسم المباني التاريخية تنفيذ مشاريع الترميم للمباني، ومن أهم هذه المشروعات السوق التقليدي، واعادة انشاء بيت الشيخ حشر آل مكتوم، الى جانب تصميم مشروع الحديقة التراثية. وهناك ايضا بيت الشيخ سعيد آل مكتوم الذي يعد بيتاً من ابرز معالم الشندغة، ويرجع تاريخ انشائه الى عام 1896 حيث كان يستخدم مقرا للحاكم ويمثل حقبة مهمة في تاريخ الامارة ما أكسبه أهمية تاريخية اضافة الى أهميته المعمارية والفنية. حيث يمتاز بثراء مكوناته العمرانية وعناصره التراثية، اضافة الى استراتيجية الموقع، حيث يشرف المبنى على منطقة خور دبي التجارية، والتي تعد الشريان الرئيس للحياة الاقتصادية والتجارية في امارة دبي. وتم تنفيذ مشروع ترميم البيت للمحافظة على الطابع التقليدي وتم الانتهاء من الترميم عام 1986.

وسواء كان الهدف من التنقل النزهة أم العمل فان العبارات (السفن الخشبية الصغيرة) ترسو على مرفأ الشاطئ الذي يطل على الشندغة، وتنقل هذه العبارات (باللهجة المحلية) روادها الى الضفة الأخرى من الخور، وعند حلول المساء يكون استخدام العبرات متعة حقيقية للجميع، حيث تتزين العبارات بالانوار الملونة وبالموسيقى التي تصدح منها وهي تنتقل جنبا الى جنب، وهنا لا ينقص الزائر الا نسمة هواء صيفية، هي بالفعل تهب بين الحين والآخر، حتى في أعز فصول السنة حرا ورطوبة.



* مهندس استشاري بوزارة الأوقاف