من أكثر الظواهر المعبرة عن الحزن والألم في النفس الشعور بالظلم الذي يقع على الإنسان فلا يجد السبيل لدرئه وتجنبه، وحتى معالجته. والظلم له أشكال مختلفة، ودرجات متباينة من الشدة والقسوة على النفس. الناس عموما يرفضون الظلم ويحاربونه لانه آفة ومرض يفتك بالمجتمع ويهدم بنيانه. والمظلوم لا ينسى الظلم الواقع عليه مهما تقادم الزمن، ومرت الأعوام. والحياة مليئة بالمظلومين، والظالمين قد لا نسمع عنهم ولا نعرف أوجه الظلم الواقع عليهم، وقد تأتينا الأخبار ان المظلوم حصل على حقه بالقانون او بمساعدة الذين يقفون في وجه الظلم فيدافعون عن الحق، وان الآخرين ممن ظُلموا لا حول لهم ولا قوة.
نقول ذلك ونحن نسمع ونقرأ عن مختلف أنواع الظلم الذي يقع على الإنسان في كل مكان، فالطفل يستغل في العمل الشاق ظلما، والمرأة يقسو عليها الرجل ويهينها ويعتدي عليها كل يوم، وربما تموت فلا يعرف أحد ما عانت وتحملت في ظروف مأسوية، ومن أناس لا تعرف الرحمة. والفقر يصيب الناس بينما الأغنياء يتلذذون باستبعاد الفقراء في الخدمات والعمل. الناس تُسلب حقوقها بالقوة وبأساليب وأشكال مختلفة كالتحايل والنصب. كثيرون يرتكبون الجرائم بالقتل وخطف الأبرياء الذين لا حول لهم ولا قوة، وباستقصاء الناس وكبت حرياتهم أو سجنهم ظلما، أو بالقسوة عليهم بالتجويع والعقاب. فيكفيك ان تشاهد المظلومين في السجون لأنهم سجناء الرأي، وكم قاسى هؤلاء، ومنهم المفكرون والعلماء والمبدعون الذين لا ذنب لهم سوى أنهم أصحاب رأي سجنوا من الحكام المستبدين الذين يخافون على عروشهم وحكمهم.
ليس هناك قانون كوني أو إنساني يقر بالظلم، بل ان النفس الأبية التي جبلت على فطرة الخير لا ترضى بالظلم الذي يقع على الانسان من أخيه الانسان. كما ان الاديان كلها وحتى المعتقدات التي نصنفها بأنها لا دينية كالهندوسية والبوذية لا تقر بالظلم، بل تتمسك بالرحمة والانسانية، وتحارب كل ما يحط من كرامة البشر.
ومع ان الظلم ساد وانتشر عبر العصور وبين مختلف البشر الذين يدينون بأديان مختلفة وأعراق متباينة الا ان آفة الظلم ازدادت في حياتنا الآن في ظروف ما زلنا نعتقد انها أفضل من الظروف السابقة، لدرجة ان مؤشرات الحياة المعاصرة تدل على انه كلما تحضر البشر طغى الظلم في حياتهم، فالقوانين لم تعد حامية لحياة الناس، بدليل ان الظلم يزداد وتتغير أشكاله، وقد يعجز القانون عن درء الظلم او استرداد الحق لعدم توافر الأدلة، لكن عنصر الخير هو الذي يحمي الناس من الاستبداد والاستعباد، خصوصا من خلال التربية وتعزيز قيم الإنسانية في النفوس، وكذلك ترسيخ الأخلاق في النفوس.
د. يعقوب أحمد الشراح
كاتب كويتي
[email protected]