| محمد بشير الوظائفي * |
• في الانسان العربي صفح جميل... وفيه صفاء عريض، فهل نتنازل عن صفاتنا امام العادات الدخيلة؟ اننا نعيش تحت راية الصفاء، ولن نتخلى عنها مهما كانت الظروف قاسية، والسحب ســوداء!
• جلس اثنان من المسافرين يقطعان الطريق الطويل بالتحدث عن شؤونهما الخاصة، فقال الاول لرفيقه : اصرح لك بأني مجرم عائد من السجن، وقد جلب السجن العار على اسرتي فلم يزرني احد. وبدت المرارة والالم على وجهه. ثم واصل حديثه بقوله ان اهلي لم يصفحوا عني. وأخيرا كتبت اليهم بأن يضعوا اشارة عندما يمر القطار بجوار قريتهم، فإذا كانت الاسرة قد صفحت عني فعليها ان تضع شريطا ابيض فوق شجرة التفاح الكبيرة الكائنة بالقرب من المحطة. اما اذا كانت الاسرة ترفض رجوعي فعليها الا تفعل شيئا! وبعد ان اقترب القطار من مكان الشجرة، صاح وقد اغرورقت عيناه بالدموع: ها هي الاشارة.. ها هم قد صفحوا عني وزالت المرارة من نفسه واصبح ملاكا بعد ان كان مجرما.
• ذلك الانسان - المجرم السابق - لم يعرف متى يبدأ الصفح، ولكنه تمكن من معرفة كيف يصفح عنه اقاربه. والحقيقة اننا نضيع الوقت بين هذين الزمنين فتمر الفرصة الاولى فلا نستطيع بذل الصفح، وعندما تأتي الفرصة الاخيرة... يكون الحقد قد اكل انفسنا.
• وعلى الانسان ان يتعلم كيف يصفح، وقبل ان يبدأ لابد من وجود مزايا اصيلة تصاحب من يبدأ بالصفح. كأن يكون على درجة جيدة من التدين فيستعين بالآية الكريمة ( وان تعفوا وتصفحوا وتغفروا فأن الله غفور رحيم)، او يكون ذا عنصر طيب اصيل يصدر عنه الصفح لا مرآة وخداعا... بل عن عقيدة وايمان بما اقدم عليه، او ان يكون مثقفا يهديه علمه وثقافته وتجاربه وخبرته الاجتماعية.
• ان دنيانا - اعزاءنا القراء، تحوي من الناس السيئ والحسن، والطيب والحقود والغضوب والمتسامح، وهذه الفئات لابد ان تصدر عنها اخطاء منبعثة عن امزجتهم الحادة او عن سرعة غضبهم، او عن ضعف في تربيتهم. وامام هذه المشاهد لابد للمثقف من ان يصفح عن هؤلاء لجهلهم او لقصورهم او لمزاجهم او لطيشهم. ومن الناس من يوقن ويؤمن بأن الذي يصفح عن الاساءة هو خير من المنتقم الذي تأكله الجهالة ويملأه الحقد، وانه خيرله ان يكون متساميا فلا ينحدر الى الهاوية كما انحدر خصمه.
• اما الجاهلون بحياة الناس فأنهم يحاولون التظاهر بالصفح، فتعود الخلافات وتتكرر الحوادث بين الفرقاء، فيزيدوا هم النار اشتعالا!ومن الصعب عزيزي القارئ على من أوذي في بدنه وخاصة من صفع على وجهه ان يصفح، لأن الأذى اصاب مكمن الخير ومستودع القيم الاخلاقية... وهو الرأس. ومن الصعب ايضا ان نصفح عـمّن آذانا في اوطاننا واغتصبها من دون حق. فالصفح في مثل هذا الحال يعد خيانة وجبنا، ومن حقك ان تتساءل: هل معنى الصفح ان اتنازل عن كل حقوقي التي كانت سببا في الخصام؟ وتكون الاجابة المنطقية ان الصفح لا يزيل كل شيء، بل يساعدنا على قبول ما مضى وانقضى، وان لا فائدة ترجى من اعادة واحياء الماضي الجريح. والصفح بعدئذ يساعدنا على محبة الآخرين... والمحبة اساس الحيـــــاة.
• واذا اردنا ان نرى نهاية الكراهية والحقد والكبت في دنيانا، نتصور هذا العالم بخصامه ومنازعاته، وخلافاته قائمة بين الناس، والكل يشيح بوجهه عن مــد يــده لخصمه، فنتصوره عالما أشبه بعالم الغاب... كل فيه مغتصب!
عضو اتحاد الكتاب والادباء الاردنيين
[email protected]