مسلمون... ولكن على الهامش !
1 يناير 1970
12:55 ص
| إعداد عبدالله متولي |
أذن الله تعالى وشاء للدين الإسلامي العظيم أن ينتشر في شتى أرجاء المعمورة، ففي كل بقعة من بقاع الأرض يوجد الإسلام ويوجد أتباع له... كثير كانوا أم قليل... لكن ليس في كل مكان يقام الإسلام... أو ينعم أتباعه بحياة آمنة مستقرة... أو حتى يسلموا من الأذى والجهل...
ففي أماكن كثيرة من الأرض يوجد مسلمون، ولكنهم يعيشون على الهامش...! ما بين جهل بالدين وعدم معرفة بأصوله وتعاليمه... وقلة امكانات في جميع الوجوه اللازمة لإقامة الدين... فلا تعليم ولا دعوة ولا مؤسسات دينية ترعاهم.
وما بين من يضطهد في دينه ويتعرض إلى الإبادة والتطهير العرقي والتهجير، يتعرضون لكافة صنوف الإذلال في دينهم وأنفسهم، ويمنعون من أداء شعائرهم وعباداتهم... كل ذلك في محاولة للقضاء على الإسلام... لكن هيهات هيهات... هؤلاء المسلمون يحتاجون منا إلى الكثير والكثير من الدعم المادي والمعنوي حتى يثبتوا على دينهم... وقبل ذلك يجب أن نتعرف عليهم... وهذه نماذج لمسلمين يعيشون على الهامش.
المعد
بوتان... أكثر من 50 ألف مسلم أحوالهم غير واضحة
تقع مملكة بوتان أسفل قمم جبال الهمالايا الشامخة، وهي دولة مغلقة, ولها نفس مساحة سويسرا تقريبًا، وربما هذا هو سبب تسميتها بسويسرا الآسيوية. عند حدودها الشمالية والشرقية تمتد هضبة التبت, ومن الجنوب والشرق تطل الهند على بوتان, ومن الشمال الصين, ومن الغرب بعض أراضي الهند ونيبال, وتُعدّ النقطة الفاصلة بين الصين والهند.
وجغرافية بوتان هي جغرافيا الهمالايا، فالبلاد بأكملها تأخذ من الطبيعة الجغرافية لجبال الهمالايا سماتها وخصائصها من حيث شكل الأرض ومناخها، فتجد في الشمال قمم الهمالايا التي كادت تلمس عنان السماء، يوجد في بوتان قمة جنكار بنسوم، وهي واحدة من أعلى قمم الجبال في العالم، وفي الوسط تنبسط الأودية الخضراء التي تدين بوجودها بعد الله لنهر براهما بوترا، ثم في الجنوب تفاجئك الغابات بأشجارها وحياتها النباتية الغنية الكثيفة.
أما عن الشعب فمعظمه قبائل تبتية من الفلاحين والحطابين, يحكمهم ملك، وهو رئيس الدولة، لكن إذا أراد عزله 66 في المئة من مجلس الدولة الـ «تسودو» يعزل.
تعد مدينة (تيمفو) هي عاصمة بوتان، وتنطق (تهيمبهو), وبلغتهم الرسمية دويو، وتعني «بلاد التنين». وتبلغ مساحتها حوالي 47 ألف كم2، وعدد سكانها 2.094.176 نسمة.
ويدين 75 في المئة من السكان بالبوذية, و25 في المئة بالهندوسية, ونسبة ضئيلة جدًا من المسلمين والمسيحيين، وتعد لغة المملكة الرسمية هي الـدرونغخا، بالإضافة إلى تحدث السكان بالبوتية والنيبالية، وغيرها من لغات القبائل المحلية، وكان النظام الملكي قد ترسَّخ في عام 1907م في ظلِّ الاستعمار البريطاني، وبعد 3 سنوات اتفق على جعلها محمية بريطانية حتى استقلت عن بريطانيا عام 1949م، غير أنها ظلت شبه محمية هندية حتى عام 1971م الذي انضمت فيه للأمم المتحدة، وتسمى بوتان بـبلاد التنين الصغيرة أيضًا.
وقد عُرفت بوتان قديمًا باسم لون مون كاشى، أي بلاد جنوب المون، وهم سكان جبال الهملايا، أما اسم بوتان فمعناه: نهاية التبت.
وبالرغم من أن بوتان جزء من أراضي التبت إلا أن حروبًا قد دارت بين أهل بوتان وأهل التبت حتى تم توحيد أراضي بوتان في عام 1619، كما ذكرنا من قبل.
وتُعرف بوتان في قارة آسيا بأنها أرض المؤمنين، حيث يتعايش أتباع الديانات المختلفة دون صراعات عقائدية، ويُسمح للوافدين إليها بإقامة مؤسساتهم الدينية، وبالرغم من أن غالبية سكانها يتبعون الديانة البوذية، إلا أن الإسلام قد وجد في بوتان أرضًا خصبة لنشر الدعوة الإسلامية.
دخول الإسلام
أثبتت الدراسات التاريخية أن العرب المسلمين قد وصلوا إلى هذه المنطقة من العالم منذ القرن الثاني الهجري، كما استقرت هناك جاليات مسلمة من الهند والصين وبنجلاديش ونيبال، وقد أسسوا العديد من المؤسسات الإسلامية، ونشروا مبادئ الدين الإسلامي بين سكان بوتان.
وقد ساعد على تكوين المجتمع الإسلامي هناك وجود أكثر من 70 ألف نسمة من أبناء الدول العربية والإسلامية الذين يعملون في مختلف القطاعات هناك، وأغلبهم من المسلمين.
وتؤكد المصادر التاريخية لمنطقة التبت التي تعد مملكة بوتان جزءًا منها أن ملك التبت قد أشهر إسلامه، وأرسل إلى الخليفة عمر بن عبد العزيز رسالة طالبه فيها بإرسال مجموعة من دُعاة الإسلام لتبصير السكان في بلاده بأمور هذا الدين. وقد استجاب الخليفة وأرسل لهم وفدًا إسلاميًا.
وقد حدثت عبر المراحل التاريخية المختلفة حالات تزاوج ومصاهرة بين العرب المسلمين ودُعاة الإسلام من الدول المجاورة وسكان البلاد، وكان للإسلام تواجد قوي هناك في القرن العاشر الهجري.
أوضاع المسلمين
ولا تزال أحوال المسلمين في بوتان غير واضحة، ولكن عدد المسلمين هناك وصل إلى 50 ألف نسمة يعيشون في مساواة تامة مع غيرهم من المواطنين، وقد أكدت ذلك التقارير التي وردت من العاصمة تمبو، تفيد بأن المساواة سائدة بين أبناء هذا الشعب، وأن الدعاة والعلماء المسلمين لهم منزلة كبيرة، ويتمتعون بالتقدير والاحترام.
والمجتمع البوتاني خالٍ تمامًا من الصراعات العقائدية، ولا يعرف الجرائم؛ لأنه شعب متدين بالفطرة.
وأشارت الدراسات النادرة التي أُعدَّت حول المسلمين في بوتان إلى أن المناهج الدراسية الإسلامية تتطلب وقتًا وجهدًا وتركيزًا عاليًا من الدارسين.
كما أن السلطات تحرص على توفير مجانية التعليم للراغبين في الدراسة في المدارس الدينية الإسلامية، وتتولى الإنفاق على الطلاب، وتوفر لهم الإعاشة الكاملة، بل وترسل كل من يرغب للاستزادة في تحصيل العلوم الشرعية الإسلامية والمعارف إلى الخارج، وخاصة الدول المجاورة لها، ويوجد هناك 16 مدرسة ثانوية، وبعض معاهد إعداد المعلمين، أما الدراسات الدينية، فهناك 14 مدرسة دينية، خمسة منها يتلقى فيها الطلبة علوم الدين الإسلامي، ويحصل أتباع الديانات المختلفة بما فيها الإسلام على الدعم اللازم لتنمية البرامج التعليمية.
وتوجد في بوتان وزارة للديانة والثقافة تشرف على تنظيم الشؤون الدينية، وشعب بوتان من الشعوب المحبة للسلام، ويؤيد حقوق الأقليات المسلمة، وقد أصبح في كل قرية جالية إسلامية تضم عدة أفراد من المسلمين.
ولا توجد في بوتان غير صحيفة أسبوعية واحدة، ومحطة إذاعة واحدة، بينما لا توجد محطة للتلفاز؛ لأن شعب بوتان يستثمر أوقاته في العمل والعبادة، ولا يرغب في معرفة ثقافات الآخرين، ويعدون ذلك من أهم وسائل الحفاظ على المجتمع البوتاني من الغزو الثقافي الأجنبي الذي يهدد المجتمع بالعديد من الأخطار، ويغير تقاليد هذا الشعب الذي يفضل العيش بعيدًا عن صراعات الثقافات العالمية.
ورغم كل المميزات التي يتمتع بها المجتمع البوتاني، إلا أن الأمر لا يخلو من بعض المشكلات التي يتعرض لها الشعب البوتاني، ومنها:
1 - دخول جيش حزب التحرير المتحد جنوبي بوتان، وهو يحارب ضد الهند، وفي عام 2003 بدأت المملكة في مطاردته.
2 - مشكلة ما يزيد على 100 ألف لاجئ من جنوب بوتان يعيشون في مخيمات في شرق نيبال.
3 - التمييز ضد المرأة وخاصة في مجال التعليم.
4 - معاناة الأطفال في جنوب بوتان من التمييز في الحصول على التعليم، وخاصة مَنْ يعيش أقاربهم في مخيمات اللاجئين في نيبال، بالإضافة إلى بعض الأطفال من الديانات الأخرى غير البوذية والهندوسية، أمثال الإسلام والمسيحية، فقد كانوا يواجهون صعوبات في الحصول على شهادة الموافقة الأمنية اللازمة كشرط لالتحاقهم بالمدارس وأداء الامتحانات.