| نادين البدير |
أتلقى منك يومياً بيوت شعر ومقالات نثر
هاتفي النقال وبريدي الالكتروني ملأتهما أمنيات بنظرة مني...
أتلقى منك يومياً بيوت شعر
وفي كل لحظة تصلني منك الأبيات يزيد يقيني بأنك واحد من تلك الكائنات...
رجالات بنت أوطانا بسيوف حروب وأقلام شعار...
فالحب من المحرمات
الحب يوازي المنكرات
الوطن لم تبنه الروحانيات
دم وذم ومدح وغزل مجنون وهكذا قامت الدويلات.
تعشقني؟
هل عشق الشاعر العربي محبوبته؟
أم تولع بالمسافة التي تفصله عني؟ كان الفاصل المكاني مصدراً لارتباط روحي خالد...
تعشقني؟
أم تعشق الألم، تتغذى على العذاب.
تعشقني؟
أم تعشق تجاهلي لك. هجري إياك. تعشق قسما قدمته لرجل آخر.
أتعشق يا عربي الحرمان...
تتلذذ بالهجران...
هل ستتلذذ أيضاً بالغدر؟ بالطعن في الشريان؟
أغلب القديم من الشعر العربي مكتوب لأجل امرأة مستحيلة... امرأة من صنع القصيدة، حسناء خلقتها المخيلة المتحررة للشاعر المحافظ...
وإذا ما تجسد ذلك الخيال بصورة حية بين يدي الشاعر، إذا ما لامسته يداها، داعبته... عرف أنها الآن لم تعد مجرد أوهام، انها بدأت تهبه وتعطيه... سينفر منها. سينبذها وسيصنع غزالاً جديداً، حيواناً جديداً، يحرمه من كل الحسيات.
وكما الوهم والعذاب مصدران للإبداع عند الشاعر العربي، فإن ذات الوهم والعذاب سيكونان مصدرين لتعلق الرجل العام بالنساء...
لهذا السبب النفسي سيصيب الملل الرجل عند إبداء المرأة إعجابها وتعلقها وولعها... فما عاد بإمكانه الموت في عشقها.
يريد امرأة تميته هجراً أو تقتله غدراً، يريد امرأة تتجاهله ليتمادى في هيامه وطغيانه، امرأة تثبت ضعفه ولا تخبره عن قوة لم يمتلكها يوماً.
إن كان أساس حكايات ألف ليلة وليلة رجلاً، فهل أراد الرجل نموذج شهرزاد مثالا للمرأة. هل أرادها ذكية لا تظهر له ذكاءها؟ قوية بغلاف من الهشاشة؟ لديها دائماً عنصر التشويق الذي لا ينتهي فإن شعر بقرب الانتهاء، أمر الجلاد. قرر إنهاء العلاقة.
تقول أحلام مستغانمي بأن الرجل يتعلق بامرأة تبكيه بضم التاء ولا تبكيه بفتح التاء...
الضمة والفتحة إذاً أساساً يحدد العلاقة، ويحدد من يلعب دور القط ومن يلعب الفأر. فالعلاقة بين الرجل والمرأة غير متوازنة في معظم الأحيان وغير متكافئة. جمالها في اللوعة والفراق.
وعل هذا الأساس النفسي الغريب فمن الطبيعي ألا تستمر مشاعر الانبهار الأولية لفترات طويلة بعد الزواج، بل سيحل السأم بدلاً عنها. أو لعله يكون القيد الذي يكبل الرجل أو المرأة، قيد الارتباط الرسمي هو الملل بحد ذاته. لا أعلم إن كانت العلاقات المعيشية المبنية على أسس غير قانونية تحمل عمرا أطول من سابقتها. لكن حب سيمون دي بوفوار وسارتر استمر حتى مماتهما دون زواج.
ومؤسسة الزواج تتحول كما يقول معظم روادها إلى مؤسسة للتآخي بين طرفيها، يراها كل يوم، لا يعود يشعر برائحتها المميزة فقد اعتاد أنفه عليها، لم يعد يخبرها كم هي جميلها، فما عاد باستطاعته اكتشاف مواطن جمالها. لقد أصبحت ضمن تفاصيل حياته اليومية.
- لكن هل يصيب المرأة الملل أيضاً؟
وماذا يفعلان حين يخالجهما الشعور، هل يخونان أم يتطلقان؟
هل الحرية أساس لنجاح العلاقة؟ أم الشعور بعدم الأمان... الشك هو أساس الاستمرار. عدم وجود الضمانات هو الاستقرار بحد ذاته.
وبالعودة إلى حكمة مستغانمي، فكثير ما توجه للنساء عبارات ناصحة مثل (اثقلي) (لا تعطينه كل شي مرة وحدة، لا تطفشينه) في إشارة إلى محاولة الإبقاء على أكبر قدر ممكن من الحب.
لكن كيف يطفش من نقدم له الحب؟
وما تفسير التعلق بمن تجلده بالسياط؟
إذا ما عبر شخص عن فرحته بنا، عن مشاعر الود لنا، فمن الإنسانية أن نفرح، أن ننتشي... وليس سوياً أن نهمله وننكره ونتكبر عليه.
وإن أهملناه وتكبرنا فالطبيعي أن يهملنا أيضاً، أن يبحث عمن يحترم عواطفه، وليس سوياً أن يتعلق بنا. تلك ماسوشية. ذلك أبدا لم يكن حباً.
إذا عبرت المرأة عن فرحتها برجل، فهل يقل احترامه لها نتيجة لذلك؟
وهل نقصان الاحترام المترتب على ذلك ناتج عن أسباب مجتمعية تقليدية، أم أسباب سيكولوجية؟
ينطبق السؤالان السابقان على المرأة أيضاً، فكثير من النساء يعشقن التعلق بالأوهام، بأشخاص لا يعلمون عن وجودهن، ولا يشعرون بحركتهن...
ويكون بذلك (الثقل) و(عدم كشف الدواخل) من أسرار اللعبة بين الجنسين.
في دعاء الكروان تقدم القروية المحنكة حكمة نسوية تاريخية وهي تنصح البطلة التي تريد أن تنتقم من المتسبب بقتل أختها هنادي عبر إيقاعه بغرامها:
-اتقلي عليه بس أديله أمل...
كيف تعلم أولئك القرويات أصول استمالة الرجل، ولماذا تفتقر نساء المدن للقدرة على التأثير على الرجال... عن استمالتهم، أقله كسب أصواتهم في الانتخابات؟
يقول لي صديق:
- النساء لا تملن للرجل الذي يعاملهن بإحسان، المرأة تريد الرجل المفتول الذي يصرخ بها، أو ينصرف عنها، يمارس كل أنواع الإهمال، وقتها فقط تصل للحظة الافتتان به... والأمر أيضاً ينطبق على الرجال.
سؤال أعتبره خطيرا جداً:
هل نعمم هذه المقولة على غالبية الرجال والنساء.
هل الغالبية لا تريد أن يظهر لها الحبيب أو الحبيبة الاهتمام، هل الغالبية معتلة سيكولوجياً؟
لقد حاول الغناء أن يعكس تلك الصورة المعذبة للمحبين. فتغنى عبد الوهاب:
بفكر بالي ناسيني وبنسى اللي فاكرني
ودور على اللي بايعني وبنسى اللي شاريني
وخليجياً غنى محمد عبده:
اللي يبينا عيت النفس تبيه واللي نبيه عيا البخت لا يجيبه
وفي نقده للثقافة وصف الأديب عبدالله الغذامي الشعر العربي بشعر نفاق ومصالح، كتب أن تلك القيم القبيحة والتي يمتهن أصحابها التملق والكذب لكسب العيش قد تأصلت فينا ولم تغد حكرا على الشعراء، بل تغلغلت في المجتمعات حتى حولت ثقافتنا إلى ثقافة كذب ورياء...
لقد هوجم الغذامي بشدة لنقده الثقافة، فقد تعرض لأهم المقدسات العربية. الشعر الذي يتباهى به كل عربي معتبرا إياه رمزا للمنطقة، وإحدى معجزاتها... فجأة كشف الغذامي عن أنه ليس إلا لطمة في وجه الرقي والحضارة الإنسانية.
وبإسقاط نقد الغذامي للشعر المرائي، على شعر الغزل سنتوصل لنفس النتيجة...
فقد تفنن الشعراء في قهر المرأة، فتغلغلت نتيجة لذلك صفة قهر النساء في المجتمعات.
قرر الشاعر أن المرأة الصعبة المنال هي الأشهى، فاقتدى به بقية الرجال وقرروا أن المرأة المخادعة هي المطلوبة.
أراد الشاعر لامرأته أن تكون إما حبيبة حرة أو سجينة لشعره... وكذلك فعل بقية الرجال.
يهواها الرجل وهي حرة، طليقة، وفي الحقيقية لا يكتفي بذلك، بل يريدها عابثة، يبتعد عن المخلصة الولهانة... وفي اللحظة التي تهبه نفسها، في تلك اللحظة بالتحديد يسجنها الشاعر بين أبيات شعره، يسجنها الرجل في منزله، وينطلق باحثاً عن أخرى يقدم نفسه لها تعبث بها كيفما شاءت. شرط أن تبقى أمامه صامتة مستمعة فقط. تتلقى ولا تصدر...
متى ستعلم كم أهواك يا رجلاً
أبيع من أجله الدنيا وما فيها
نزار قباني كان من كتب الشعر السابق، تخيل امرأة تبيع الدنيا لأجل رجل. كل الدنيا تبيعها لأجله.
رجلاً كان من كتب عن امرأة لا يريد أن تعلمه كم تهواه.
اعلامية وكاتبة سعودية
[email protected]