الدعاء المأثور 16

1 يناير 1970 10:18 ص
معشر القراء الفضلاء، وصلكم الله بمأثور الدعاء:

ان من أشرف الأدعية التي يتقرب الى الله تعالى بها الداعي، وأجمع المباني وانفع المعاني التي يسعى في تحصيلها الساعي: ما أثر عن نبي الله صلى الله عليه وسلم** من الأدعية الصحيحة، التي هي من جوامع الكلام وعيون الأقوال التي تجود بها القريحة.

الدكتور وليد محمد العلي امام وخطيب المسجد الكبير واستاذ العقيدة بكلية الشريعة.



وان من هذه الدعوات النبوية الشريفة، وهذه الكلمات الشافية الكافية المنيفة:

ما جاء في حديث عائشة رضي الله عنها أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهؤلاء الدَّعوات: (اللهم فإني أعوذ بك من شر فتنة المسيح الدجال).

سُمِّي الدَّجَّالُ مسيحاً لسببيْن اثنيْن: لأنَّ عينه ممسوحةٌ فهو أعور العيْن، ولأنَّه يمسح الأرض كُلَّها إلا الحرميْن.

ووُصف المسيحُ بالدَّجَّال: لتغطيته الحقَّ بالأباطيل والصِّدقَ بالأكاذيب، ولتغطيته كُفره بكثرة أتباعه وتمويهه على النَّاس بالتَّلبيسات والأعاجيب.

ولأنَّ الفتنة به عظيمةٌ؛ والمحنة بخُروجه جسيمةٌ: فقد أنذره كُلُّ نبيٍّ قومه أبين النَّذير، حتَّى حذَّره نبيُّنا صلى الله عليه وسلم غاية التَّحذير، فعن عبدالله بن عُمر بن الخطَّاب رضي الله عنهما قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في النَّاس فأثنى على الله بما هو أهله، ثُمَّ ذكر الدَّجَّال فقال: (إنِّي لأُنذركموه، ما من نبيٍّ إلا وقد أنذره قومه، لقد أنذره نوحٌ قومه، ولكن أقول لكم فيه قولاً لم يقله نبيٌّ لقومه: تعلَّموا أنَّه أعورُ، وأنَّ الله تبارك وتعالى ليس بأعورَ).

ولشدَّة تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم منه ظنَّ الصَّحابة رضي الله عنهم أنَّه بين ظهرانيهم قد تهيَّأ للخُروج إليهم، فبيَّن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه حجيجُه دُونهم في حياته وأنَّه قد استخلف الله بعد مماته عليهم، فعن النَّواس بن سَمعان رضي الله عنه قال: (ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدَّجَّال ذات غداةٍ فخفض فيه ورفع؛ حتَّى ظنَّناه في طائفةٍ النَّخل، فلمَّا رُحنا إليه عرف ذلك فينا فقال: ما شأنكم؟ قلنا: يا رسول الله؛ ذكرت الدَّجَّال غداة فخفضت فيه ورفعت؛ حتَّى ظنَّناه في طائفةٍ النَّخل. فقال: غير الدَّجَّال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دُونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤٌ حجيج نفسه، واللهُ خليفتي على كُلِّ مُسلمٍ، إنَّه شابٌّ قَطَطٌ أي: شديد جُعودة شعر الرَّأس- عينه طافئةٌ، كأنِّي أُشبِّهه بعبدالعُزَّى بن قَطَنٍ، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سُورة الكهف، إنَّه خارجٌ خَلَّةً بين الشَّأم والعراق، فعاث يميناً وعاث شمالاً: يا عبادَ اللهِ فاثبتوا. قُلنا: يا رسول الله؛ وما لُبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً، يومٌ كسنةٍ، ويومٌ كشهرٍ، ويومٌ كجُمعةٍ، وسائر أيَّامه كأيَّامكم. قُلنا: يا رسول الله؛ فذلك اليوم الذي كسنةٍ؛ أتكفينا فيه صلاة يومٍ؟ قال: لا؛ اقدروا له قدره. قُلنا: يا رسول الله؛ وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الرِّيح، فيأتي على القوم فيدعوهم فيُؤمنون به ويستجيبون له: فيأمر السَّماء فتُمطر والأرض فتُنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطولَ ما كانت ذُراً وأسبغَه ضُروعاً وأمدَّه خواصر، ثُمَّ يأتي القوم فيدعوهم فيردُّون عليه قوله: فينصرف عنهم فيُصبحون مُمْحلين ليس بأيديهم شيءٌ من أموالهم، ويمرُّ بالخربة فيقول لها: أخرجي كُنوزك. فتتبعه كُنوزها كيعاسيب النَّحل، ثُمَّ يدعو رجلاً مُمتلئاً شباباً فيضربه بالسَّيف فيقطعه جزلتين رمية الغَرَض، ثُمَّ يدعوه فيُقبل ويتهلَّل وجهه يضحك، فبينما هُو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريمَ فينزل عند المنارة البيضاء شرقيَّ دمشقٍ بين مَهْرُودَتَيْنِ؛ واضعاً كفَّيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قَطَرَ، وإذا رفعه تحدَّر منه جُمانٌ كاللُّؤلؤ، فلا يحلُّ لكافرٍ يَجِدُ رِيحَ نَفَسِهِ إلا مات، ونَفَسُهُ ينتهي حيث ينتهي طَرْفُهُ، فيطلُبُه حتَّى يُدركه بباب لُدٍّ فيقتُلُه، ثُمَّ يأتي عيسى ابنَ مريمَ قومٌ قد عصمهم الله منه فيمسح عن وُجوههم؛ ويُحدِّثهم بدرجاتهم في الجنَّة).

ومن أراد أن يُعصم من شرِّ الفتنة المدلهمَّة الدَّاهية، فليحفظ عشر آياتٍ من سُورة الكهف فإنَّها الواقية، فعن أبي الدَّرداء رضي الله عنه أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: (من حفظ عشر آياتٍ من أوَّل سُورة الكهف: عُصِمَ من الدَّجَّال).

فأهلُ الاصطفاء: من لزموا الدُّعاءَ؛ وهم مُستيقنون بأنَّ ربَّهم تبارك وتعالى لدعائِهم سميعٌ قريبٌ مجيبٌ، وأنَّه يُخاطبُهم بقوله: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ، دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}.

وفي الختام معشر القراء الفضلاء:

فالسعداء من استمسكوا بعروة الالتجاء، وألظوا في كل وقت وحين بصالح الدعاء، المأثور عن خاتم الرسل وإمام الأنبياء؛ صلى عليه وسلم رب الأرض والسماء.

فالمعتصمون بالدعاء المأثور آووا إلى ركن شديد، لأنهم قد استعانوا في طلبهم بالله العزيز الحميد.

واشدد يديك بحبل الله معتصما * فإنه الركن إن خانتك أركان

من استعان بغير الله في طلب * فإن ناصره عجز وخذلان

نفعني الله وإياكم بهذا الدعاء، وفتح لإجابته أبواب السماء، وأصل معكم لختام هذا اللقاء: سائلا الله تعالى أن تحوطَكُم رعايتُه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاتُه.