د. وليد التنيب / قبل الجراحة / ندوة انتخابية
1 يناير 1970
04:44 م
بسبب الانتخابات... وكثرة الخطابات والندوات الانتخابية... قررت أن أزور مقراً انتخابياً لمرشح.
كان قراراً واضحاً جداً... زيارة مقرّ جاسم... فجاسم مرشح وعرف عنه حبه للبلد وحبّ تطبيق القانون... كان يردد دائماً أن أهم أسس التطوير هو مكافأة المتفوق، والأهم عند جاسم هو معاقبة المهمل والمخطئ.
قال جاسم في ندوته التي أنقلها لكم من دون تحريف (قدر الامكان)...
إن وضعنا الحالي لا جديد فيه من ناحية الشكوى وكثرتها...
نعم، لا جديد... فنحن نعرف كيف نشتكي، ولكن ليس لدينا القدرة على حلّ المشاكل من دون مشاكل.
نحن نحل المشكلة بمشكلة... أي باختصار، كمن يسدد دينه عن طريق الاستدانة... فهو يظن أنه سدد دينه الأول، ولكنه استدان، وقد يكون بفائدة أكبر من الدّيْن الأول.... أي أن المشكلة تكون كبرت ولم تصغر... وهنا التفت جاسم إلى الحضور وقال ان هذا الكلام يعجب الجميع!
واسترسل جاسم قائلاً...
اذاً تخيّلوا أننا لم ننجح في حل أي مشكلة حتى الآن... بالطبع هذا غير صحيح، ومن يردد هذا القول بالتأكيد ظالم للجميع... فنحن قد نجحنا في حلّ الكثير من المشاكل، ولكن لأنه اذا تمّ حلّ المشكلة، لم تصبح مشكلة وتُنسى...
قال جاسم ان المشكلة في نظري أننا نتصوّر أن العالم من حولنا خال من المشاكل... فنحن نتخيّل أن لا مشاكل للمرور و«زحمة» المرور في العالم... والحقيقة أن العالم أجمع «المتقدم والمتأخر» يعاني من هذه المشكلة... وأن العالم يخطط ويصرف الكثير من الأموال لحل مشكلة «الزحمة».
ينجح أحياناً ويفشل أحياناً كثيرة... ونحن كذلك، نصرف الكثير لحل مشاكل المرور وأعتقد أننا نجحنا لأن العالم الأول ليس فيه أناس لا يحترمون القانون مثلنا... تخيّل أنه مع الخطط الحالية لحل الأزمة المرورية، أن الجميع يلتزمون بالقانون (كما يلتزمون به اذا كانوا في الدول المتقدمة)... فقط تخيّل كيف يمكن أن تكون النتائج.
إذا كانت هناك غالبية لا تلتزم بالقانون، وهذه حالنا... كيف ستكون حالنا اذا التزمت الغالبية بالقانون.؟! قال جاسم، حاولوا أن تفهموا لا أن تسمعوا فقط وألا تظنوا أنني أتكلم عن قانون المرور فقط!
لنأخذ مشكلة التعليم... العالم أجمع يعاني من التعليم، والتجارب ما زالت قائمة في العالم الأول للوصول إلى حل لمشاكل التعليم. على سبيل المثال، مخطئ من يظنّ للحظة أن العالم الأول لا توجد فيه دروس خصوصية... وعلى المستوى الجامعي أيضاً، في العالم الأول توجد دروس خصوصية.
انني لا أدعو إلى الاهمال والتسيّب... و لكننا مللنا من مقولة «تصوّر أننا الدولة الوحيدة في العالم التي بها»...
يقول جاسم...
أنصحك، «أول ما تسمع محدثك يقول لك اننا الدولة الوحيدة، فاعرف أنه كاذب كاذب كاذب» (بدأ الكل يلاحظ أن جاسم متأثر جداً).
العالم انتبه لمشكلة التعليم كما انتبهنا نحن... حاول العالم الحل وحاولنا الحل... نجحوا أحياناً ونجحنا أحياناً... ان كانوا نجحوا وهم من يطبّقون القانون... ونحن سجلنا بعض النجاح وغالبيتنا لا يطبّق القانون... اذاً تخيّل معي كيف سيصبح التعليم عندنا اذا التزمنا بتطبيق القانون... جاسم ينبّه الحضور للمرة الثانية «يجب أن تفهموا، لا أن تسمعوا فقط»!
لنأخذ مشكلة السكن... العالم أجمع يعاني من هذه المشكلة.
العالم يبحث عن حلّ كما نبحث نحن عن حلّ... حلولنا لشعوب العالم تبدو لهم أنجح لأنها وفّرت سكناً مجانياً... والعالم أجمع فيه المشردون ومن ينام في الشارع... لا تقل لي اننا دولة غنية... فهناك من الدول، ميزانية بلدنا تساوي ميزانية محافظة عندها... من قال اننا دولة غنية؟! اننا من الدول التي تحاول أن تجعل المواطنين أغنياء... نعم، أغنياء من دون تعب يذكر... ضحك جاسم وقال ان الغالبية ستغضب من كلامي.
نعود للاسكان... ان كنا مع كل التجاوزات التي تتكلمون عنها ليلاً ونهاراً... قد وفّرنا السكن للكثير من الأسر... لا تنظر إلى من ينتظر دوره، بل انظر إلى من حصل على سكن... لا تقل لي انه سكن متواضع... مناطق بأكملها وفّرتها الدولة، ومع هذا هناك من سكان هذه المناطق من هو ساخط على الدولة لأنها لم توفّر السكن لأبنائه المتزوجين! اذاً ما دورك أنت كأب وما دور ابنك «ولد شاف أبوه حصل على أرض وقرض بمنطقة مثل مشرف من دون أي تعب يذكر من أبيه سوى تسجيل اسمه والانتظار... وتبون الابن يتعب؟».
لن أكمل مشاكلنا، لأنها مثل مشاكل كل العالم... ونحاول حلّها مثلهم... ولكننا يبدو أننا كحال بعض الدول، تميّزنا عن العالم بأننا لا نحب أن نطبّق القانون... والأهم من ذلك أن شعبنا أيضاً يتصرف مثل جميع شعوب العالم الثالث... فهل تستطيع أن تتخيّل أن شعبنا سيتصرف مثل شعوب العالم الأول ويتوقف عن الحديث بالسياسة والتفرغ للعمل وترفيه نفسه بالاجازات؟... ضحك جاسم وردد «لا أجد أي صعوبة في ذلك».
أخيرا قال جاسم...
سامحوني ان كان كلامي قد «زعّلكم»، ولكن الأحداث غالباً ما يكون لها أكثر من تفسير.
وختم جاسم ندوته قائلاً «وسامحوني مرة أخرى، ترى لأن ما في عشاء».
هل تتوقع أن ينجح جاسم؟!