بروفايل / الإيطالية الفائزة بلقب ملكة جمال مصر

داليدا... حياة أشبه بمسرحية مأسوية أسدلت ستارتها انتحاراً

1 يناير 1970 05:24 م
| إعداد رشا فكري |

حفل الزمان الجميل بابدعات عمالقة الفن والغناء في عالمنا العربي الى جانب نجوم العالم الغربي فقدموا الكثير خلال مسيرتهم التي كانت في بعض الأحيان مليئة بالمطبات والعثرات. منهم من رحل عن هذه الدنيا مخلفاً وراءه فنّه فقط، وآخرون ما زالوا ينبضون عطاء الى يومنا الحالي.

البعض من جيل اليوم نسي ابداعات هؤلاء العمالقة وتجاهلوا مسيرة حافلة من أعمال تركتها بصمة قوية، وفي المقابل يستذكر آخرون عطاءات نجوم الأمس من خلال الاستمتاع بأعمالهم الغنائية أو التمثيلية، وقراءة كل ما يخصّ حياتهم الفنية أو الشخصية.

وفي زاوية «بروفايل» نبحر في بحار هؤلاء النجوم ونتوقف معهم ابتداء من بداياتهم الى آخر مرحلة وصلوا اليها، متدرجين في أهم ما قدّموه من أعمال مازالت راسخة في مسيرة الفن... وفي بروفايل اليوم نستذكر أهم محطات الفنانة الراحلة داليدا:





هي داليدا، أو يولاندا كريستينا جيجليوتي، الاسم أمر تفصيلي بالنسبة إلى من أسرت قلوب مستمعيها حتى ممن تعرفوا إليها بعد وفاتها. تلك الفنانة والمغنّية إيطالية - مصرية، ولدت في شبرا لأبوين من المهاجرين وتعود أصولهما إلى جزيرة كالابريا في جنوب إيطاليا. بدأت حياتها بالمشاركة في مسابقة ملكة جمال مصر وفازت باللقب سنة 1954. انطلقت فنياً في فرنسا، وغنت بتسع لغات هي العربية، الإيطالية، العبرية، الفرنسية، اليونانية، اليابانية، الإنكليزية، الإسبانية والألمانية.

بدايتها

الفنانة داليدا التي تربعت على عرش الغناء العالمي لسنوات، ولدت في 17 يناير 1933، في حي شبرا بالقاهرة لوالدين إيطاليّي الأصل مولودين في مصر، فقد هاجر أجدادها إلى مصر طلباً للرزق كما كانت حال الكثير من الأجانب في بداية القرن العشرين الذين هاجروا بدافع الفقر والهرب من الحروب في بلدانهم آنذاك، حيث كانت مصر بلداً آمناً ومزدهراً اقتصادياً.

تعلمت العزف وأخذت دروساً في الغناء، لكن حلمها بأن تصبح ممثلة مشهورة لم يفارقها، لا سيما بعد أن سمعت بأنه كانت لديها قريبة هي الممثلة الإيطالية Eleanor Duse، التي كانت وفاتها في العام 1924 (كانت الوحي لستانيسلافسكي لتأسيس مبادئ مدرسته الشهيرة في التمثيل، إذ كان يمضي ساعات يشاهد أداءها ومنه يستقي المبادئ)، ومن هنا ولد لديها شعور بأنها تمتلك موهبة ربما تكون قد ورثتها من عمتها.

عاشت داليدا طفولة طبيعية بين أسرتها، تذهب إلى المدرسة والكنيسة، كأي طفلة، وما إن أصبحت بالغة حتى أخذ والدها الحاد الطباع يمنعها من الخروج مع أصدقائها وصديقاتها، لا سيما بعد أن قضى أشهراً عدة في السجن لأنه كان إيطالياً، ومصر كانت إبان الحرب العالمية الثانية تحت حماية المملكة المتحدة... وبعد مرور الوقت، وجدت داليدا طريقة للهروب من مراقبة والديها، فكانت تذهب إلى الكنيسة الصغيرة وهما مطمئنان عليها، لكنها لم تكن تذهب للصلاة، بل كانت تنتظر فتى من أصل إيطالي اسمه أرماندو، كانت تذهب إلى الكنيسة وتقف في مكانها المفضل البعيد عن الناس، حيث اعتادت أن تقف فيه في طفولتها لأنها كانت تشعر بالحرج من عينها المحولة التي أجرت لها ثلاث عمليات جراحية في ما بعد.

كانت تسمع وأرماندو القداس وقد تشابكت يداهما سراً وهما يختلسان النظرات بحياء... كان الفتى حب داليدا الأول، وقد اقتنعت بالحياة الاعتيادية كأي امرأة في البداية بسبب ضغط والدها في أن تصبح زوجة وأماً كما هو الأمر الطبيعي. ولكن الوالد توفي إثر جلطة في الدماغ، فبدأت تتطلع إلى حياة أخرى بعيدة عن القناعة بالبيت البسيط وكل ما يتعلق به من أمور.

وبسبب ظروف المعيشة وضغط والدتها، أخذت دروساً في الطباعة على الآلة الكاتبة وعملت سكرتيرة في شركة أدوية، لكن حلم النجومية لم يفارقها أبداً ولا سيما وأنها سبق لها وفازت بمسابقة ملكة جمال (Miss ondina) عندما كانت صبيّة صغيرة وجميلة في العام 1951، فتيقنت أن لديها الفرصة في الدخول بمسابقة ملكة جمال مصر. كانت رغبة الشهرة لديها قوية حتى لو كانت بأي ثمن، وهذه المرة فكرت بوالدتها التي ستمنعها من المشاركة في هكذا مسابقة تظهر فيها شبه عارية بملابس السباحة... فرأت أنه لا بد لها من إخفاء الأمر عنها، فادعت أنها ذاهبة إلى إحدى صديقاتها، فاستقلت الحافلة واتجهت صوب حمام السباحة، حيث تجري المسابقة هناك، وبالفعل شاركت، وبعدها حصلت المفاجأة الكبرى... لقد فازت داليدا بلقب ملكة جمال مصر 1954، فصعقت لسماع رأي اللجنة، وانفتح لها أول أبواب الشهرة.

كانت جائزة الفوز عبارة عن زوج من الأحذية الذهبية، أسرعت إلى البيت من فرحتها وأخبرت والدتها بما جرى، فغضبت الأم لرؤية صورة ابنتها بثوب السباحة على الصفحة الأولى للصحف، إذ كان الأمر فضيحة لعائلة محافظة بالعقليتين الإيطالية والمصرية على السواء، لكنها بمرور الوقت نسيت الأمر.

ورغم الفوز بالمسابقة، بقيت تعمل داليدا سكرتيرة في شركة الأدوية... لكنها أخذت تدخل الاستوديوهات السينمائية بسبب اللقب الذي نالته، وقدمت بعض الأدوار، لكنها لم تكن أدواراً بارزة. ونظراً للشبه الكبير بينها وبين هيدي لامار Heidi Lamar بطلة «Samson & Dalila» اختارت يولندا اسم داليللا Dalila كاسم فني.

حبها للتمثيل

ذات يوم اتجه فريق أميركي لتصوير فيلم في مصر يحمل عنوان (Joseph and His Brother) كان من بطولة الممثلة الأميركية Joan Collins، وجوان احتاجت إلى ممثلة تقف معها في بعض المشاهد تكون (دوبلير) لها وصادف أن داليدا كانت متواجدة في الاستوديو فاختارتها (جوان) لما تتمتع به من جسم وشعر كثيف قريب منها، إضافة إلى أن ملابسهما من القياس والحجم نفسه.

وفي الأقصر كان يجري تصوير الفيلم، فوجدت داليدا نفسها أمام ممثل صغير كان يبحث عن الشهرة مثلها هو عمر الشريف... وفي هذه الفترة تعلق بها الشريف، لكنها سرعان ما بدأت تعامله ببرود، فاستغرب لتصرفها، لا سيما أنه كان يتصوّر أنه على علاقة حب معها.

بعد مرور أيام عدة قررت داليدا السفر إلى فرنسا بحثاً عن الشهرة، رغم اعتراض والدتها.. وبالفعل في سنة 1954 سافرت إلى باريس... وفي باريس داهمها شعور بالقلق والوحدة، حالما حطت أقدامها أرضها، فقد كانت المدينة مغطاة بالثلج وكانت الرياح تعصف بها، فاشتاقت إلى الشمس الدافئة في مصر، لكنها كانت تعلم أن سفرها وتغربها هو ضريبة الرغبة في الشهرة، فاستبدلت قلقها فوراً بثقة مطلقة عندما تخيلت مستقبلها.

نزلت في فندق بسيط في منطقة قريبة من شانزليزيه، وفي صباح اليوم التالي كان لديها موعد مع (هنري فيدال) الرجل الذي وعدها بالمساعدة، ولكن اتضح أن علاقات هذا الرجل كانت بمنتجين يعملون في حقل الأفلام الضعيفة جداً، فتيقنت أنه لن يستطيع مساعدتها، فقررت أن تعتمد على نفسها، فقامت بتقديم طلبات إلى وكالات مختلفة تبحث عن مواهب في مجال التمثيل، لكن المتقدمين كانوا أكثر مما تصورت.

أخذت تبعث برسائل لوالدتها في مصر تشرح لها كل ما يجري، فتمنت الأم أن تعود ابنتها إلى مصر ثانية، لكن داليدا لم تعترف بالهزيمة مطلقاً... وفي النهاية لم يكن لديها خيار سوى العودة وذلك بعد نفاد المال. فحزمت حقائبها وتوجهت إلى مكتب الحجز لتحصل على تذكرة عودة إلى القاهرة.

بداية غنائها

لمحها رجل يدعى رولاند برجر... هذا الرجل أعجبه قوامها وشعرها، فاقتنع بأنها لا بد أن تكون تملك مواهب وبحاجة إلى من يكتشفها... فتقدم إليها وتعرّف بها. كان الرجل مدرباً للصوت، فتطورت علاقتهما، فحاول إقناعها بالغناء وأن تصرف النظر عن فكرة التمثيل، فهي تتمتع بصوت مميز، وأن الغناء سيفتح لها أبواب الشهرة... لم تتقبل الفكرة، لكن الرجل استمر بإقناعها حتى وافقت، فبدأ بإعطائها دروساً في الصوت، وتحمل كل عصبيتها ومشاحناتها معه بسبب حدة طباعها التي ورثته من والدها، حتى تمكن من تقوية صوتها فأصبحت قادرة على الغناء بشكل جيد، فأخذت تغني في الكباريهات الفرنسية.

في البناية التي تقاسمت فيها شقة مع صديقتها جينا جوردل، كان يسكن فيها أيضاً شاب وسيم هو آلان ديلون الذي أصبح في ما بعد ممثلاً مشهوراً. لم تكن تربطهما في ذلك الوقت سوى علاقة الجيرة والسلام، كانت تلفت انتباهها وسامته، لم تكن تعرف أنه هو الآخر يحلم بالشهرة مثلها، ثم وبحكم الجيرة والطموح المشترك أصبحا صديقين... حتى بدأ أحدهما يشجع الآخر، وفي أكثر المقابلات والاختبارات كان أحدهما يرافق الآخر وإن فشل أحدهما في دور كان الآخر يواسيه. أصبحت الحياة قاسية بالنسبة إلى آلان ديلون، حتى أن داليدا كانت تطعمه من ثلاجتها عندما يداهمه الجوع.

مالك الكباريه قرر أخيراً أن يعطيها أول أداء بحضور الزبائن، فشعرت بالسعادة والإثارة، وعادت إلى شقتها سعيدة ومبتهجة، وكان في انتظارها آلان وجينا بكل حماسة ولهفة لأن يعرفا ماذ حصل لها وهل نجحت في الاختبار ونالت مهنة كمغنية؟ الطريف أن آلان كان عنده اختبار أداء في صباح ذلك اليوم في استوديو مع مئة ممثل ولم يصدق نفسه عندما اختاره المخرج أخيراً ليعطيه دوراً.

في اليوم التالي غنّت داليدا، وخلف الكواليس كان رولاند يقف مع مالك الكباريه يستمعان إلى صوتها الشجي وهي تغني فهمس رولاند له «لديك نجمة بين يديك... انظر إليها، يا له من وجود». وعندما أنهت داليدا وصلتها، لم يصفق لها سوى عدد قليل من الجمهور، ويعود السبب إلى انشغالهم بقراءة قوائم الطعام والحديث... الخ.

من داليلة إلى داليدا

في إحدى الأمسيات، وحيث المكان الذي تغني فيه، التقت بألفريد، صديق المخرج السينمائي الذي اكتشفها في مصر، فقال لها إن اسمها داليلة غريب وعدواني بعض الشيء وعليها أن تغيّره... لم تستوعب داليدا الفكرة، فهي منذ قدومها إلى باريس والجميع يعرفها باسمها المستعار داليلة، وبعد تفكير طويل توصلت إلى أن تخلط اسمها الحقيقي يولاندا مع الاسم الذي تحبه داليلة، وكانت النتيجة داليدا.

ذات مساء اعتلت المسرح، فشاهدت شخصاً مهماً كان يجلس مع أصدقائه وتعرفت عليه بسرعة، ما سبب لها مزيجاً من الفرحة والخوف... كان الرجل يدعى برونو، مدير أولمبيا، أشهر قاعة موسيقى في باريس. كان برونو يبحث عن مواهب جديدة وشابة فرأت فيه فرصة عمرها، وأدركت أن عليها أن تكون في أفضل حالاتها على المسرح حتى يلاحظها، فغنّت بشكل رائع لدرجة أنه قطع محادثته مع الأصدقاء وبقي يسمع بأذنيه ذاك الصوت المميز، فأخرج ورقة وكتب عليه اسمها وهي تشاهده من بعيد... ولما تركت المسرح، أحست بإثارة وانتظرت اتصالاً منه، فقد كانت متأكدة من أنه أُعجب بغنائها.

حياتها الخاصة

رغم شهرتها وثروتها، إلا أن حياتها الخاصة كانت أشبه بمسرحية مأسوية منذ بداية زواجها حتى نهايتها.

تزوجت من أول رجل أحبته بصدق Lucien Morisse، لكنهما انفصلا عن بعض بعد زواج دام أشهر عدة فقط رغم أن حبهما كان حديث المجتمع في ذاك الوقت. كان كل واحد منهما يصرح للآخرين بأنه متيّم بالآخر ولا يمكنه أن يعيش من دونه لأنه حب حياته، وكان سبب الانفصال هو أن عثرت داليدا على حبها الحقيقي بعدما اعتقدت في البداية أن حبها هو في من تزوجته، وكان الرجل الذي تركت داليدا زوجها من أجله هو الرسام Jean Sobieski.

في العام 1967 دخل العشق إلى قلب داليدا عندما التقت بالشاب الإيطالي Luigi Tenco، وكان مغنياً لا يزال في بداية طريقه، وقد دعمته ليصبح نجماً، لكن الفشل طرق بابه بعد مشاركته في مهرجان سان ريمو العام 1967 فانتحر بمسدسه في أحد الفنادق، والمؤسف في الأمر أن داليدا كانت أول من رأى جثته ممدة ومغطاة بالدماء عندما ذهبت لتواسيه بعدم نيله التقدير في المهرجان والذي شاركا فيه! وعندما تمكنت من نسيان الماضي، أحبت رجلاً في فترة السبعينات ولكنه هو الآخر توفي منتحراً!

مصر مرة أخرى

في العام 1986 قدمت الفيلم المصري «اليوم السادس» من إخراج يوسف شاهين، وهذا الفيلم نجح كثيراً، خصوصاً على داليدا وبفضلها، علماً أنها قدمت في العام 1955 فيلم «سيجارة وكاس» إلى جانب سامية جمال وسراج منير.

وفاتها

توفيت في العام 1987 منتحرة بجرعة زائدة من الأقراص المهدئة، بعد أن تركت رسالة تحمل «سامحوني الحياة لم تعد تحتمل». ودفنت في مقابر المشاهير «Cimetiere de Montmartre» بباريس. وقد تمّ صنع تمثال لها على القبر بالحجم الطبيعي لها، وهو يعتبر أحد أكثر الأعمال المنحوته تميّزاً في المقابر الخاصة بالمشاهير.





• أول جائزة حصلت عليها...  زوج من الأحذية الذهبية

• نجاح فيلم «اليوم السادس»  ليوسف شاهين كان بفضلها

• كتبت في رسالة قبل انتحارها «سامحوني الحياة لم تعد تحتمل»

• تعلّق بها عمر الشريف... فعاملته ببرود

• معظم من ارتبطت بهم انتحروا !