الدليل الفقهي

1 يناير 1970 05:45 م
زاوية فقهية يقدمها الداعية الإسلامي الدكتور

عبدالرؤوف الكمالي

أستاذ الفقه

بكلية التربية الأساسية



استِئمارُ الثَّيِّبِ واستئذانُ البِكر



• عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تُنكَح الأيِّمُ حتى تُستأمر، ولا تُنكَح البكرُ حتى تُستأذَن. قالوا: يا رسول الله! وكيف إذنُها؟ قال: أن تسكت» متفق عليه.

الشرح:

(الأيِّمُ): التي فارقت زوجَها بطلاقٍ أو موت.

(حتى تُستأمر): من الاستئمار, وهو طلب الأمر.

وفيه أنه لا بد من طلب الأمر من الثَّيِّب، أي: اعتبار رضاها، وهو معنى أحقِّيَّتِها بنفسها من وليِّها في الأحاديث.

(ولا تُنكَح البكر): أراد بها البكر البالغة، وعبَّر هنا بالاستئذان، وعبَّر في الثيب بالاستئمار؛ إشارةً إلى الفرق بينهما، وهو أنه يتأكد مشاورة الثيب، ويحتاج الولي إلى صريح القول بالإذن منها في العقد عليها؛ فهو معنى الأمر منها. وأما البكر فالإذْن منها دائرٌ بين القول والسكوت.

وإنما اكتفي من البكر بالسكوت؛ لأنها قد تستحي من التصريح، وقد ورد في رواية: «أن عائشة قالت: يا رسول الله! إن البكر تستحي, قال: رضاها صماتها» أخرجه الشيخان.

والحديث عامٌّ للأولياء من الأب وغيره في أنه لا بد من إذن البكر البالغة، وإليه ذهب الحنفية وآخرون؛ عملًا بعموم الحديث هنا، وبالخاص الذي أخرجه مسلم بلفظ: «والبكر يستأذنها أبوها».

• عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الثَّيِّب أحقُّ بنفسها من وليها, والبكر تُستأمر, وإذنها سكوتها» رواه مسلم.

وفي لفظ: «ليس للولي مع الثيب أمرٌ، واليتيمة تُستأمَر» رواه أبو داود والنسائي، وصححه ابن حبان.

الشرح:

(وفي لفظٍ): أي: مِن رواية ابن عباس رضي الله عنهما.

(ليس للولي مع الثيب أمر): أي إن لم ترض؛ لما سلف من الدليل على اعتبار رضاها.

(واليتيمة تُستأمَر): اليتيمة في الشرع: الصغيرة التي لا أب لها.

• عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُزَوِّجُ المرأةُ المرأةَ، ولا تُزَوِّجُ المرأةُ نفسَها» رواه ابن ماجه، والدارقطني, ورجاله ثقات.

حكم تزويجِ المرأةِ نفسَها أو غيرَها:

1 - في الحديث دليل على أن المرأة ليس لها ولايةٌ في الإنكاح لنفسها ولا لغيرها, فلا تزوج نفسها بإذن الولي ولا بغيره، ولا تزوج غيرها بولاية ولا بوكالة، وهو قول الجمهور.

2 - وذهب أبو حنيفة إلى تزويج العاقلة البالغة نفسَها وابنتَها الصغيرة، وأنها تتوكل عن غيرها, لكن لو وَضَعت نفسَها عند غير كفء، فلأوليائها الاعتراض.

واستدل الجمهور بالحديث.

وبقوله تعالى: {فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن}.

قال الشافعي: هي أصرح آيةٍ في اعتبار الولي، وإلا لما كان لعضله معنى.

وسبب نزولها: في مَعْقِلِ بن يسار, زوَّج أخته, فطلَّقَها زوجُها طلقةً رجعية، وتركها حتى انقضت عدتها, ورام رجعتها, فحلف أن لا يزوجها, قال: ففيه نزلت هذه الآية. رواه البخاري.

زاد أبو داود: فكفَّرْتُ عن يميني, وأنكحتها إياه.

فلو كان لها تزويجُ نفسِها, لم يعاتِبْ أخاها على الامتناع، ولكان نزول الآية لبيان أنها تزوج نفسها.

ودلت الآيةُ أيضًا - على أن نسبة النكاح إليهن في الآيات - مثل:{حتى تنكح زوجًا غيرَه} - مرادٌ به الإنكاح بعقد الولي؛ إذ لو فَهِم صلى الله عليه وسلم أنها تنكح نفسها, لأَمرها بعد نزول الآية بذلك، ولأبان لأخيها أنه لا ولاية له، ولم يبح له الحنث في يمينه والتكفير.

ويدل لاشتراط الولي أيضًا -: ما أخرجه البخاري وأبو داود, مِن حديث عروة, عن عائشة: أنها أخبرته أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء: منها نكاح الناس اليوم، يخطُب الرجل إلى الرجل وليَّتَه أو ابنته, فيَصْدُقُها, ثم يَنْكِحها, ثم قالت في آخره: «فلما بُعِث محمدٌ بالحق, هدم نكاح الجاهلية كلَّه إلا نكاح الناس اليوم».

فهذا دال أنه صلى الله عليه وسلم قرر ذلك النكاحَ المعتبرَ فيه الولي، وزاده تأكيدًا بما قد سمعت من الأحاديث.

ويدل له أيضًا -: نكاحه صلى الله عليه وسلم لأم سلمة، وقولُها: إنه ليس أحدٌ من أوليائها حاضرًا، فلم يقل صلى الله عليه وسلم: أنكحي أنتِ نفسَك, مع أنه مقام البيان.

ويدل له كذلك قوله تعالى: {ولا تُنكحوا المشركين}؛ فإنه خطاب للأولياء بأن لا يُنكحوا المسلماتِ المشركين، ولو فرض أنه يجوز لها إنكاح نفسها, لما كانت الآية دالةً على تحريم ذلك عليهن.

ومن الأدلة على اعتبار الولي: قوله صلى الله عليه وسلم: «الثيب أحق بنفسها من وليها»؛ فإنه أثبت حقًّا للولي كما يفيده لفظ «أحق»، وأحقيته هي الولاية، وأحقيتها رضاها؛ فإنه لا يصح عقدُه بها إلا بعده, فحقها بنفسها آكد من حقه؛ لتوقف حقه على إذنها.