المجزرة

1 يناير 1970 11:27 ص
اشبع الحديث عن لبنان تنديدا وتعاطفا في الأوساط العربية. اشبع تحليلاً لما جرى وتوقيته ورد الفعل عليه، لكن أبشع ما في الحرب الدائرة هناك هو ارتباط الموت اليومي للأبرياء والآمنين بموت الضمير العالمي، وغياب أي تعبير متحضر، حتى على مستوى مؤسسات المجتمع المدني، الذي طالما تمرد دائما على حسابات أنظمته المتكاملة مع بعضها في المنظومة والتوجه. ليست هذه هي المرة الأولى التي تستبيح فيها إسرائيل وتدمر، لكن صورة طفل قضى شهيداً في سيارة هاربة من مخالب الإجرام كانت كفيلة بتعبئة الرأي العام العالمي وتسيير تظاهرات في شوارع الدول الديموقراطية الغربية، أو تدفع في اضعف الإيمان إلى تحركات مثل الاعتصام وإصدار بيانات تدعو الحكومات إلى التحرك لوقف سفك الدماء. اليوم يقضي العشرات تحت أنقاض المنازل ويستغيث الآلاف في العراء من غياب الدواء والغذاء منتظرين كارثة إنسانية، ولا يحرك ذلك شعرة في رؤوس الغربيين «المتحضرين المتقدمين»، الذين يحاولون اقناعنا منذ سنوات بأن غياب الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان هو سبب تخلفنا وهو البيئة التي نمت فيها كل ظواهر العنف والإرهاب والتطرف. وها هو الغرب - انظمة وشعوبا - يسقط في الامتحان الأصعب... امتحان الإنسان وكرامته. لا أوهام لدينا في ان المجتمع الدولي كان - أو سيكون - عادلا في ما يتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي، لكن المفاجأة الحقيقية تمثلت في ان سلبية الرأي العام الغربي بدأت تتحول إلى تواطؤ مع العدوان الإسرائيلي على المدنيين، من خلال الصمت المريب وتأمين الغطاء للخطاب الرسمي الذي لا يرى داعياً للدعوة إلى وقف النار. يقف العالم متفرجاً على فيما ممثلوه في مجلس الأمن يتحدثون علناً عن ضرورة اعطاء آلة الموت الإسرائيلية فرصة زمنية لتحقيق المزيد من القتل والتدمير، علَّ ذلك يساعد حكومة تل أبيب وجنرالاتها على استعادة هيبة خسرتها بفعل ضيق الافق والإصرار على ممارسة السياسة من دبابات الميركافا. يقف العالم متفرجاً ومتواطئاً، فمن يستطع تأمين ممرات بحرية آمنة لإجلاء رعاياه بالاتفاق مع الإسرائيليين، يستطع ادخال باخرة أدوية كي لا نقول إنه يستطيع الضغط على إسرائيل لوقف الحصار البحري وفتح منافذ للآمنين. يقف العالم صامتا منتظرا مجزرة كبيرة تعطي حكوماته ذريعة «أخلاقية» لتطلب بخجل من حكومة إسرائيل ان تعتمد الحل السياسي، فمئات القتلى على مدى أيام لا تعطيهم شجاعة الطلب ولا تكفي لاعتصام (مجرد اعتصام) أمام سفارة إسرائيل أو مبنى تابع للأمم المتحدة. أبشع ما في الحرب الإسرائيلية على لبنان أنها أظهرت من دون لبس أن الشرق الأوسط الجديد، الذي صار اولوية غربية يعني كرامة الإنسان الإسرائيلي وحريته وتقدمه، ولا يعني العرب الا بقدر تنفيذهم للإملاءات وخضوعهم وتخليهم عن حقوقهم. صمت الرأي العام الغربي عما يجري في لبنان هو الحقيقية. جاسم بودي