يتشكل مثلث التعليم من ثلاثة أركان هي: المعلم، الطالب، والمنهج التعليمي، ويتعذر التعليم في حال غياب أي ركن من هذه الأركان. ورغم أهمية هذه الأطراف، وصعوبة ازاحة أي منها الا ان طبيعة التعامل مع كل منها مختلف، خصوصا من الناحية العملية، فالمربون والمخططون يواجهون تعقيدات كبيرة في تعاملهم مع مناهج التعليم تفوق أحيانا التعامل مع المعلم والطالب من ناحية ضبط وصياغة المعلومات وتغيراتها، والاختيار المناسب لها، وضبط الخلافات الفكرية عليها، والوصول الى اجماع أو اتفاق عام على محتوياتها وأهدافها.
هذا التعقيد في المنهج ناشئ في الأساس من أن طبيعة المنهج التعليمي المناسب للاعمار والظروف والمستقبل لا يخلو أبدا من تباين في الاراء والرغبات ليس فقط على مستوى أولياء الأمور أو قطاعات المجتمع، وانما ايضا المربون أنفسهم ينقسمون على مفاهيمه ومحتواه وأهدافه ومدى مناسبته، أي أن المنهج التعليمي من خاصيته أنه خلافي باعتباره تلك المعارف والأنشطة التي يتفاعل معها الطلاب داخل وخارج المدرسة، وبالتالي تشكل عقولهم، وتؤثر في وجدانهم، وتصقل قدراتهم على نحو يصعب تحديده في زمن محدد وقصير. لذلك فالحكم على المهنج من ناحية مناسبته وسلامته أصبح، مع الأسف، حكما صادرا من رداء السياسيين الذين يستهدفون تنمية موجهة ومحصورة في دائرة أيدولوجياتهم وصراعاتهم الفكرية التي تتقاذفها أمواج التمذهب، والقبلية، وتتصف بالغلو الفكري، ورفض الآخر، ونبذ كل ما هو مخالف للرأي الواحد.
فلا غرابة ان ترتفع الأصوات من خارج الجسم التربوي اما محتجة واما متفقة مع المنهج السائد، وينضم اليهم أحيانا الطلبة والمعلمون اذا شذث هذه المناهج عن تلبية الحاجات أو تعارضت مع معتقدات وافكار بعض المعلمين الذين أيضا نجد بعضهم متمذهبين يتمسكون بأيديولوجيات وأفكار قد لا تصب في صالح المجتمع.
هذا في الجانب المفاهيمي او المحتوى الذي قد لا يتفق أو يرضى عنه البعض، لكن التعقيدات تأخذ جانبا آخر فنجدها واضحة في الخلاف على طرق توصيليها، والقدرة على فهمها من الطلبة، ومدى تمكن او فاعلية الطرق المتبعة في صقل المهارات وتشكل الاتجاهات؟ وما مدى السلامة العلمية للمحتوى، ومناسبتها لعقول وأعمال الدارسين؟ وهي هل مناهج عصرية تواكب المستجدات وتفيد الانسان في حياته العملية والعامة؟ تساؤلات كهذه وغيرها عن المناهج تجعل النظام التعليمي في دوامة مستمرة، وهي تواجه جملة من التحديات تتطلب تفهما وامكانات تجعلها قادرة على معالجة كل الثغرات والاشكالات.
ان اعطاء الأهمية لمناهج التعليم من ناحية تطويرها وجعلها أكثر مناسبة للاحتياجات الفردية والمجتمعية قضية لا ينبغي ان تضيع في متاهات الانشغالات الأخرى. فأكثرما يؤثر في المتعلمين والمعلمين وأولياء الأمور منظومة المناهج التي تتعامل معها المدارس والتي تستهدف تنمية الافرادمن الوجوه كافة، خصوصا تشكل الاتجاهات الايجابية في نفوس الناشئة كالمحبة والتعاون والولاء والمحافظة على الوطن... والأولوية للمناهج جاءت أيضا على لسان سمو رئيس الوزراء الذي أكد على أهمية تغيير المناهج والعمل على تطويرها على النحو الذي تريده الدولة، وفي اطار فلسفة وسياسات نابعة من المشاركة المجتمعية، والقبول العام، ومساهمة اهل الاختصاص، والأخذ بالمتغيرات المفيدة، واستخدام الآليات التي لا تجعل التطوير صورة تقليدية مكررة تؤدي الى نتائج اسوأ من تلك النتائج التي كانت سائدة.
د. يعقوب أحمد الشراح
كاتب كويتي
[email protected]