خليل أحمد / الحكومة الباكستانية والتنمية الاقتصادية

1 يناير 1970 06:31 ص
خليل أحمد

رغم الحديث عن الانتخابات الرئاسية الباكستانية، وما رافقها من أحداث، فإن الأمر المهم الذي لا بد أن ننتبه إليه هو أن الشرط الحقيقي لبقاء باكستان يتمثل في الاستقرار والتقدم الاقتصادي.

باكستان هي حليف رئيسي للولايات المتحدة، ولكنها أيضاً عنصر كبير في عدم الاستقرار الإقليمي، وهي تتأرجح على حافة كونها دولة غير ناجحة، يرأسها قائد عسكري، ويعمّها الفساد والعنف السياسي والحزبي والتوترات الانفصالية.

من المدهش حقاً، أنه مازالت هناك فرصة بأن تكون القاعدة الأساسية لحكم القانون ظلت حية إلى الحد الذي سوف يؤمن الاستقرار الذي تحتاج إليه باكستان في إقامة اقتصاد مزدهر، وفي اقتصاد بالكاد أن يحافظ على بقاء البلاد.

يصنف اقتصاد الباكستان في موقع منخفض في أي معيار من المعايير، ومع ذلك فهناك إشارات تدل على تحسنٍ تدريجي في الحرية الاقتصادية، كما يتبين من تقرير «الحرية الاقتصادية في العالم» السنوي الذي يصدره معهدا فريزر الكندي وكيتو الأميركي: يضع التقرير معايير لقياس الانفتاح والمرونة والاستقرار وتدخل الدولة في اقتصادات 141 بلداً، ذلك لأن النشاطات الاقتصادية، وليست الحكومات، هي التي تخلق الازدهار.

لقد رأينا اندفاعاً غير متوقع هذا العام في موضوع المساءلة وحكم القانون، عندما رفضت المحكمة العليا محاولة الحاكم العسكري عزل قاضي قضاة الباكستان افتخار محمد شودري، وكان عاقلاً عندما احترم هذا القرار في وجه احتجاج شعبي. ومما يدعو إلى العجب أنه بعد ستة عقود من الاضطرابات والفساد مازال هناك أناس في مؤسساتنا يُؤمنون بالدفاع عن الدستور، وهذا يعطينا الأمل بأنه مازالت هناك أسس من القوة بحيث تمكننا من بناء دولة فاعلة عليها.

ولكن ذلك كله سوف يبقى نظريات سياسية شكلية إذا لم يعط الباكستانيون الفرصة لتحسين أوضاعهم، وللعيش في حماية القانون، ولحماية حقوق الملكية الفردية.

مؤشر الحرية الاقتصادية يُحرر الجدل من النظريات والأفكار، وخصوصاً تلك الفكرة المراوغة، ألا وهي الديموقراطية. هناك ديموقراطية بالاسم وهي تعمل بشكل سيئ بالنسبة إلى مواطنيها (مثل تركيا وبنغلاديش) وهناك أنظمة تخدم مواطنيها جيداً (سنغافورة، الكويت، أو، إلى حد ما، الصين).

من خلال التمسك بمعايير يمكن قياسها وتجنب النظريات السياسية، يجب ألا يصيبنا العجب إذا وجدنا بأن الحرية الاقتصادية تفيد جميع المواطنين بما في ذلك المواطنين الفقراء: ذلك أن أفقر سكان سنغافورة أو سويسرا أو أميركا يكسبون ضعفين ونصف الضعف أكثر مما يكسبه المواطن العادي الروسي أو التركي أو السوري.

الأخبار السيئة هي أن باكستان يأتي ترتيبها في 101 من مجموع 141 بلداً، مسجلة 6 من مجموع 10، أي أسوأ من إندونيسيا وعلى مستوى موازٍ لإثيوبيا وهاييتي، بيد أن الأخبار الجيدة هي أنها زحفت إلى أعلى، منطلقة من 5.7 نقطة في العام 2006.

إننا في أمس الحاجة إلى تقدم كبير في حكم القانون وحقوق الملكية (بما في ذلك حقوق الملكية الفكرية، رغم بعض التحسينات)، وتخفيض الحواجز التجارية والقضاء على الرشوة والبيروقراطية. المشاريع التي تديرها الدولة مازالت تُكلف أموالاً طائلة وتخلق عدم الكفاءة والفساد والحمائية تماماً مثلما تفعل الأنظمة الحكومية: هناك تقاليد موروثة عن تدخلات حكومية كثيفة وسيطرة حكومية تنساب في مفاصل الاقتصاد.

ومن ناحية أخرى، يجب أن نعترف بحدوث تقدم في مجال تحرير الاستثمار في الصناعات، وإزالة بعض العوائق غير الظاهرة، والمتمثلة في العوائق أمام الاستيراد والسماح بعقد الصفقات الرأسمالية مع الأجانب. كما أن ضعف التمويل الخاص والائتمان بدأ بالتحسن في العام 2004.

وفي الحقيقة، فإن التعامل الاقتصادي في الباكستان أصبح أكثر سهولة منه في الهند: وتُظهر أرقام البنك الدولي في تقريره بعنوان «مزاولة الأعمال» والذي نُشر لتوه، بأن باكستان في هذا المجال تقع في الترتيب 78 بينما الهند في ترتيب أدنى هو 120 من مجموع 178.

هذا التقدم البطيء هو جيد في الحقيقة في ضوء تاريخ باكستان السياسي والاقتصادي الذي كان مرتبطاً بالدولة والحكومة: فمنذ الاستقلال، كانت فكرة التنمية الاقتصادية ذاتها لا تنفصل بتاتاً عن السيطرة الحكومية.

الموضوع الرئيسي في ترتيب الحرية الاقتصادية وفي تاريخ باكستان هو مستوى تدخل الحكومة: تستطيع الحكومات أن تقدم قليلاً من الأمور الجيدة، ولكنها في الوقت ذاته تستطيع أن تحدث أضراراً كبيرة. الحكومة لا تخلق شيئاً، ولا تنبت شيئاً، بل إنها تستهلك فقط، وتعيش على ما ينتجه الناس وتنفق أموالهم: إنها تستطيع فقط أن تفعل جيداً إذا سمحت بخلق الثروة عن طريق ضمان السلم العام وحماية المواطنين.

ومع وجود عبء تاريخي ثقيل من السياسات والأداء المتأرجحين في باكستان، فإن مؤشر الحرية الاقتصادية يعطينا الأدوات لتثبيت ما يسير في الطريق الصحيح وإصلاح ما يسير في الطريق الخطأ: اقتصاد فعال سوف يدعم المحاولات لتحقيق الديموقراطية وحكم القانون، وهما يدعمان بعضهما البعض في دائرة من التفاعل الحميد.

الرئيس الجنرال مشرف ورؤساء الوزارات السابقون بنازير بوتو ونوّاز شريف، جميعهم يدّعون بأنهم يجب أن يُعطوا فرصة أخرى. لكن المسألة هي ما إذا كان قادتنا، سيئو السمعة، يرون أن الأدوات الاقتصادية هي أملهم الوحيد لإنقاذ البلاد والبقاء في الحكم.


خليل أحمد

مؤسس والمدير التنفيذي لمعهد الحلول البديلة في لاهور، باكستان. هذا المقال برعاية «مصباح الحرية»، www.misbahalhurriyya.org