قرأت المقابلة التي أجريت مع السيدة الفاضلة نورية الصبيح، وزيرة التربية وزيرة التعليم العالي، في صحيفة «القبس» يوم الأربعاء 3 أكتوبر 2007، وأعجبني ما ذكرته عن عزمها عدم الخضوع لضغوط النواب ورغبتها في استقلالية الجامعة، بعيداً عن التدخلات السياسية ومنها ضغوط النواب. ولقد وددت لو أن ما ذكرته يعكس الواقع بشكل دقيق، لأن منصب الوزير هو منصب سياسي خاضع لاعتبارات سياسية تتطلب وجود دعم من قبل الكتل والتيارات السياسية في الدولة، لأن اختيارها هي شخصياً أو غيرها سبقه العديد من اللقاءات مع مختلف الكتل من جانب سمو رئيس مجلس الوزراء. ومن الطبيعي أن يستطلع رئيس الوزراء التيارات السياسية كافة في البلاد أو على الأقل أهمها عند تشكيل وزارته، وذلك من باب معرفة رغبات الناس، خصوصاً وأن منصب الوزير هو منصب لا يخضع إلى الانتخابات ولرأي الغالبية، بل للتعيين من قبل رئيس الوزراء. واقع الحال في الكويت يحتم إرضاء الكتل والتيارات والوزير سوف يتحول في النهاية إلى منفذ لرغبات النواب شاء أم أبى، خصوصاً إن هو أراد أو هي أرادت البقاء في منصبها، رغم أن هذه الرغبات قد تتعارض في بعض الأحيان مع المصلحة العامة للدولة. إلا أن هذا هو عالم السياسة، وهذا هو واقعه سواء رغبنا به أم لم نرغب.
ومع قناعتي الكاملة بضرورة حفظ واحترام استقلالية الجامعة وعدم التدخل في شؤونها إلا أن ما ذكرته الوزيرة غير ممكن، خصوصاً في حالة وجود خصومة بين أعضاء هيئة التدريس في الجامعة وعجز الإدارة الجامعية عن حلها، أو عندما تكون الإدارة الجامعية طرفاً في هذه الخصومة عندها يصبح لزاماً على وزير التربية أن يلعب دوراً منصفاً، وذلك كي لا يظلم أي طرف طرفاً آخر، فإذا عجز وزير التربية أو وزيرة التربية عن القيام بهذا الدور المحايد المنصف، عندها يصبح لزاماً على أعضاء هيئة التدريس الاستعانة بعد الله تعالى بالنواب الذين يمثلون الأمة، كي يضغطوا على الوزيرة للقيام بواجبها المتمثل بالفصل بطريقة عادلة ونزيهة بين الأطراف المتخاصمة والمتنازعة. فالضغط هنا يعتبر ضغطاً إيجابياً يدفع باتجاه التهدئة داخل أسوار الجامعة، بعيداً عن التشنجات والعنتريات من أي طرف كان.
ومع قدوم الإدارة الجديدة في الجامعة بدأت بوادر الخلاف تظهر بين هذه الإدارة وبين جمعية أعضاء هيئة التدريس داخل الجامعة، وهي جهة منتخبة تمثل رغبات غالبية الأخوة والأخوات أعضاء هيئة التدريس، وبالتالي لا يجوز لأي كان أن يطعن في شرعيتها، لأن الديموقراطية تعني حرية الرأي وحرية الاختيار. ومعالي الوزيرة تعلم أنه في ظل الإدارة الجامعية الحالية وقع الظلم على أحد عمداء كليات الجامعة، وهو الدكتور يعقوب الكندري عميد كلية العلوم الاجتماعية، والذي يشهد له الجميع بالنزاهة والشرف والعمل الدؤوب والمحبوب من قبل الجميع، إذ إنه اتهم ظلماً من قبل «مصدر مجهول» يعلمه جميع من في الجامعة بتهمة متعلقة بكتابة كتاب بطريقة غير علمية. الدكتور الكندري لم يعط فرصة للدفاع عن نفسه، ولم تتبع الإجراءات الصحيحة في مساءلته، كي يدافع عن نفسه، مما أدى إلى إشغال الكلية بأكملها في صراع أبسط ما يقال عنه إنه ليس في مصلحة التطوير الأكاديمي للكلية. وعندما عجزت الوزيرة الفاضلة عن تحقيق الوعود التي قطعتها على نفسها في ما يتعلق برفع هذا الظلم فإن الحل يكون اللجوء إلى من هو أعلى من الوزيرة، وهي السلطة التشريعية التي من حقها مساءلة الوزيرة عن الظلم الذي يقع على العباد من قبل مسؤوليهم. ومع إيماني ويقيني أن الأخوة النواب وتحت ضغط ناخبيهم قد يدفعون في بعض الأحيان باتجاه التجاوزات والاستثناءات التي تضعف الأداء الوزاري إلا أن هذه القضية بالذات الحق فيها بين وواضح وكان على معالي الوزيرة أن تحسمها قبل أن تتدخل جهات خارجية لدفعها لحسمها.
من جهة أخرى، ومن موقع مسؤوليتها في ما يتعلق بالعلاقة بين جمعية أعضاء هيئة التدريس والأخ الفاضل مدير الجامعة كان على الأخت الفاضلة الوزيرة السعي إلى حل الخلاف بين الجهتين وتجنيب الجامعة المزيد من التوترات والتدخلات الخارجية. وللعلم يا معالي الوزيرة فإنني وغيري كثيرون في الجسم الجامعي نرى أن الجمعية الحالية لأعضاء هيئة التدريس سعت منذ توليها هذه المسؤولية إلى العمل على إنصاف أعضاء هيئة التدريس والعمل على حل مشكلاتهم وهمومهم، وذلك من خلال القنوات الرسمية المتاحة داخل أسوار الجامعة إلا أن انسداد القنوات الرسمية وعدم قيامكم بالحسم في قضايا الخلاف أوصلنا إلى ما نحن عليه الآن. ويجب التنويه على أن جمعية أعضاء هيئة التدريس هي عبارة عن مؤسسة تمثلنا نحن أعضاء التدريس وليست أشخاصاً يجب استهدافهم بسبب مواقفهم المدافعة عن الجمعية أو بسبب تصريحاتهم النارية. ولقد كان الأجدر بكم السعي إلى التعامل مع هذه الجمعية، والتي تمتلك «الشرعية الكاملة» من قبل من انتخبها على ضوء أنها الممثل الشرعي لأعضاء هيئة التدريس والعمل على حل الخلاف بينها وبين الإدارة الجامعية بشكل محايد وموضوعي من دون تغليب طرف على طرف آخر. وبناء عليه ومع وافر الحب والاحترام وحسن الظن بكم فهذه دعوة صادقة لكم للسعي الجاد إلى حل المشكلات العالقة بين الأطراف كافة قبل أن تصبح جامعة الكويت معبراً للمصالح الشخصية والفئوية والحزبية. هذا الحسم الذي نتوقعه يجب أن يبدأ في كلية العلوم الاجتماعية عبر إنصاف الأخ عميد كلية العلوم الاجتماعية الذي تؤيده «غالبية» أعضاء هيئة التدريس في خلافه مع الإدارة الجامعية، والذي يشهد له «جميع» أعضاء هيئة التدريس بالنزاهة والأمانة وحسن الخلق. ويداً بيد نستطيع أن نبقي الجسم الجامعي، بعيداً عن الضغوطات والمهاترات، كي يصب في مصلحة الأكاديمي وفي مصلحة الكويت فلا تدقي معالي الوزيرة المسمار الأول في نعش الجامعة والحرم الجامعي، وأدعوك مخلصاً أن تقيمي موقفك من القضايا كافة المتعلقة في الجامعة، وأن تتخذي ما يرضي ضميرك أمام الله تعالى لأن الوزير وغيره يستويان بميزان الله تعالى، بل أن الوزير يحاسب عما لا يحاسب به من ليس له هذا المنصب، لأن إخفاقه سوف يضر بالآلاف من الأشخاص، وسوف يترك أثراً يبقى لأعوام مقبلة.
د. إبراهيم الهدبان
أستاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت