رضا الأعرجي / تقسيم العراق

1 يناير 1970 06:50 ص
رضا الأعرجي

 


استنكرت الجامعة العربية ومجلس التعاون الخليجي والحكومة العراقية وجميع الفرقاء العرب والعراقيون تقريباً عدا الأكراد مشروع تقسيم العراق غير الملزم، الذي أقره مجلس الشيوخ الأميركي الأربعاء الماضي، كحل سياسي وحيد لإخراج البلد من حالة الفوضى، ووضع حد لاستشراء العنف الطائفي.


بعض المستنكرين اعتبروا المشروع يحقق مرام وأهداف غزو العراق، وبالتالي يندرج ضمن المشروع الأميركي لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط الكبير، فيما رأى مستنكرون آخرون أنه يمثل تدخلاً سافراً في قضية تهم الشعب العراقي، لكن إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش التي رفضت المشروع لم تقدم أي توضيحات أو مبررات لهذا الرفض المثير.


والواقع، أن المشروع الذي يقضي بإقامة ثلاثة كيانات: شيعي وكردي وسني، لم يأت بالشيء الجديد لأن الوقائع على الأرض تكشف أن المنطقة الكردية في شمال العراق تتمتع بالفعل بحكم شبه ذاتي واستقلال كبير عن بغداد، ولها برلمان منفصل عن البرلمان المركزي، كما أن كلاً من الوسط والجنوب منفصلان نفسياً قبل أن ينفصلا واقعياً جراء أعمال القتل على الهوية، وقد مارسه أبناء الطائفتين الرئيسيتين السنة والشيعة من دون استثناء. وزاد في سماكة السياج النفسي العازل بينهما النعوت التي تستحضر أشد ما في صفحات التاريخ سواداً، واستقواء كل طائفة بقوة أو قوى إقليمية لها أجندتها الخاصة، وهي أجندة غير عراقية في كل الأحوال.


في عام 2003 وبعد غزو العراق بشهور قليلة، قال كولن باول، وزير الخارجية الأمريكي وقتها: «تقسيم العراق فكرة ممكنة وليست مستحيلة لكنني أستبعدها»، وذلك ردا على سؤال لتلفزيون «إن بي سي» عن احتمال نشوب حرب أهلية. وظلت الإشارات والتصريحات عن تقسيم العراق تتردد كلما تعمق مأزق الإدارة الأميركية في العراق، ففي عام 2004 اقترح تقرير وضعه ديفيد فيليبس، الباحث في «المجلس الأميركي للعلاقات الخارجية»، تقسيم العراق إلى خمس أو ست ولايات اتحادية تخضع لحكومة واحدة على أن يكون التقسيم على أساس جغرافي لا عرقي، كما اقترح جيمس بيكر، وزير الخارجية الأميركي السابق، والسيناتور الديموقراطي لي هاملتون في تقرير مشترك، عام 2006 قيام نظام فيديرالي في العراق بعد تقسيمه بين مجموعاته الرئيسية الثلاث.


ولا تزال فكرة تقسيم العراق تتبلور في تقارير حديثة صدر آخرها عن «مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط» قبل نحو شهرين تحت عنوان «حالة التقسيم السلس في العراق»، إذ اقترح واضعاه، الباحث في معهد بروكينغز مايكل أوهانلون، والأستاذ الزائر في المعهد ذاته إدوارد جوزف، خطة بديلة لإعادة الاستقرار تقوم على تقسيم البلد إلى ثلاثة كيانات مستقلة. وبالاضافة الى هذه التقارير، هناك سيل لم ينقطع من كتابات تحاول أن تجعل من التقسيم خياراً مقبولاً على نطاق واسع.


وإذا كان الكونغرس ومراكز الدراسات ذات العلاقة المباشرة أو غير المباشرة بالإدارة الأميركية تكشف عن تصوراتها لمستقبل العراق بما ذلك تقسيمه سواء على أساس جغرافي أو طائفي ـ عرقي، لا بد من التأكيد على أن صدام حسين هو أول من مهد الطريق أمام التقسيم بحروبه العبثية التي شنها في كل الاتجاهات وأدت في نهاية المطاف إلى غزو البلد واحتلاله، فالتصورات الأميركية لم تخرج حتى الآن عن مرحلة التنظير، بينما كان الديكتاتور العراقي يمعن في سياسة التقسيم عبر تنفيذ عمليات إبادة جماعية منظمة بحق الشيعة والأكراد بلغت حدها الأقصى بسحق انتفاضة عام 1991 التي أعقبت جريمة غزو الكويت بأساليب غاية في الفظاظة والوحشية.


منذ تلك الانتفاضة الذي عرفت سقوط أربع عشرة محافظة من مجموع ثماني عشرة محافظة بأيدي المنتفضين استقل الأكراد في منطقة نفوذهم التقليدية، مدعومين هذه المرة بقرارات دولية تحظر على طائرات نظام صدام التحليق فوقها، كما فقد النظام السيطرة على الجنوب إلا في ساعات محدودة من النهار، وأصبح التقسيم قائماً بقوة الأمر الواقع، وإن لم يتم الاعتراف به رسمياً.


لا شك، أن مصلحة جميع أبناء الشعب العراقي بكل طوائفه وشرائحه الاجتماعية أن يعيشوا موحدين، كما أن وحدة العراق هي مصلحة عربية قبل أن تكون مصلحة عراقية، لأن السماح لهذا المشروع أن يأخذ طريقه إلى حيز التطبيق سينعكس على أمنها واستقرارها، بل يهدد وحدتها عاجلاً أم آجلاً، غير أن التمنيات لا تكفي وحدها لأن يعود العراقيون للتعايش من جديد، وعلى من يتنكر لواقع التقسيم، رغم أنه حقيقة ماثلة للجميع، أن يقدم المسوغات والأسباب التي تجعله يرفض مشروعاً يحول دون اتساع دائرة الموت الجهنمية، وعلى الأقل، أن يطرح البديل المقبول، وليس مجرد شعارات صاخبة لجر العراقيين جراً إلى وحدة قسرية ستكون الأكثر مرارة وفشلاً.


لا يكفي أن نتهم الأميركيين بالتآمر على وحدة العراق، ولا يكفي أن نعتبر مشروعهم خدمة لإسرائيل التي ترغب في رؤية أنظمة ذات لون طائفي على غرارها، ومع أن منع التقسيم مسؤولية عراقية أولاً، لكن المطلوب أن تتحمل الدول العربية مسؤوليتها أيضاً، وألا تقنع بالتفرج كما كان الحال أيام حكم الطاغية، وقد أثبتت الوقائع أن مناطق النزاعات الدينية، وتلك الهادفة للاستحواذ على الثروات تفضي غالباً إلى التقسيم، ولن يشكل العراق استثناء.


ربما بدا تقسيم الهند إلى دولتين بعيداً وفي حكم التاريخ، غير أن كل واحد منا اليوم شاهد على يوغسلافيا كيف كانت وكيف انتهت بعد حربها الطائفية.


 


صحافي وكاتب عراقي