| بيروت - من هيام بنوت |
لا تخلو حياة البعض من مواقف يؤكدون فيها بأنهم تعرضوا للحسد أو الإصابة بالعين، رغم أننا جميعاً لا نستطيع إثبات أن ما قد يحدث لنا من أمور سيئة هو نتيجة ذلك. حكايات الحسد وأنواعه وأشكاله كثيرة، وكثيرة أيضاً معاناة الناس التي ينسبونها إلى النظرة الحاسدة. ومن المثير أن الحسد والإصابة بعين الحسود موجودة في كل الأديان والثقافات في الشرق والغرب. إذا كان الايطاليون يرقون أنفسهم وبيوتهم بالثوم، فان الأميركيين يرقونها بخشب الصندل، أما اليهود فيفضلون «الخمسة» وهي كف اليد، أما عند العرب فتختلف وسائل الرقية من بلد لآخر، ولكن تبرز الخرزة الزرقاء والأحذية والكف وحدوة الحصان والخمسة والخميسة التي تعلق على السيارات والبيوت والمحال وعلى الأبواب، وترتبط الخرزة الزرقاء بجلب الخير، وحدوة الفرس بجلب البركة، وخمسة وخميسة بدفع الحسد، والكف بدفع الضرر.
الإيمان بالحسد والعين عند الشرقيين، يشمل معظم الناس، بصرف النظر عن مستواهم الاقتصادي أو الاجتماعي، لذلك تفننت الشعوب في ابتكار طقوس وأشكال معينة تصب جميعها في حماية الإنسان من الخوف والمجهول الذي يأتي من العين، ففي السعودية مثلاً، تلجأ بعض الفتيات والسيدات إلى طريقة «الغسال» للعلاج من «صيبة العين» والحسد، والغسال يعني أن تشرب من يعتقد أنها «أصيبت بعين امرأة حاسدة» من ماء غسل فيه فناجين القهوة والشاي أو كأس العصير الذي شربت منه «المرأة الحاسدة» وعادة ما تكون المناسبات فرصة جيدة لأخذ (الغسال).
يذكر سيريل الدريد في كتابه «مجوهرات الفراعنة» أن الحلي التي كانت تُستخدم لتزيين الرقبة أو العنق قد تطورت من شكل بدائي يتمثل في تلك التعويذة التي كانت تتدلى من خيط أو رباط يحيط بالعنق، والتي استخدمها الإنسان البدائي ليقي نفسه من القوى الخفية الموجودة في الطبيعة، والتي كان يعتقد أنها ترسل عليه الأعاصير، والفيضانات والبراكين والزلازل، وتصيبه بالأمراض.
كما يذكر ألدريد، أيضاً أن أكثر التمائم شيوعاً واستخداماً بين المصريين القدماء كانت التميمة أو الرقية المصنوعة من الخرز، وأنه لم تكن هناك أمة من أمم العالم القديم كله مثل مصر التي صنعت هذا القدر العظيم وهذه الكميات الهائلة من الخرز لشعورهم بالجانب الجمالي في أشكال وألوان تلك المواد الطبيعية إلى جانب اعتقادهم في القوى السحرية لتلك الخرزات.
أما سر اللون الأزرق فمرده لاعتقاد قدماء المصريين في ثلاثة ألوان، وهي الألوان السائدة في حليهم، الأحمر والأخضر والأزرق، وكل لون يرمز لشيء محدد، فالأحمر يرمز لحمرة الدم الذي يجري في العروق ويمنح الحياة والنشاط، والأخضر يرمز إلى خضرة الزرع التي توفر خيرات الأرض من حبوب وثمار وخضراوات، واللون الأزرق مرتبط بزرقة السماء التي تسبح فيها الشمس (رمز الإله رع عند المصريين القدماء) وتعيش فيها الآلهة وتحمي الإنسان وتباركه.
وانتقلت فكرة الاعتقاد بالقوى السحرية للأحجار الكريمة، والخرز من جيل إلى جيل حتى وصلت إلى وقتنا الحالي، دون أن يدري الناس مصدر هذه الفكرة، أو أصول تلك الأسطورة، أو ما هو أصل استخدام تميمة بعينها للوقاية من شيء بعينه. ولا تزال ثمة بعض الشعوب، مثل أهل إيران، والهند والصين يسود بينهم اعتقاد جامح أن «حجر الجاد» يقي صاحبه خطر الإصابة من أمراض القلب، وأن حجر الفيروز يبعد عن صاحبه الكثير من المخاطر والشرور. أما في بلاد النوبة فيتزين الرجال بخاتم فيه حجر أبيض من الأحجار الكريمة، يعتقدون أنه يقي صاحبه من لسع العقارب.
وفي الأعراس يستخدم الناس البخور، ويرشون الملح، وهم لا يعلمون أصل هذه العادة، لكنهم يمارسونها وتعتبر من الأدوات التي كان يستخدمها السحرة والكهنة في الجاهلية، وكانوا يحرقون البخور أمام الأصنام والسحرة لاسترضاء من يتعاملون معهم من الجن، وتختلف رائحة البخور حسب العمل المطلوب، فإذا كان المطلوب فك سحر، استخدم البخور طيب الرائحة، أما إذا كان المطلوب عمل سحر سيئ فالبخور المستخدم يكون خبيث الرائحة.
المشاهير والحسد
هل يؤمن الفنانون بالعين والحسد؟ تقول النجمة شيرين عبد الوهاب أنها لمست أخيراً عين الحسود بعد حصولها على محبة الناس والشهرة في المجال الغنائي، إذ وجدت أن البعض يحسدها على محبة الناس لها، على الرغم من كل المشاكل التي مرت في حياتها الفنية، وتعتبر أن عين الحسود تصيبها عندما تشارك في حدث كبير، وهذا ما حصل معها عندما اتفقت مع شركة هواتف نقالة على تصوير إعلان لهذه الشركة، وفجأة ذهب الإعلان إلى ميريام فارس. وتضيف شيرين أن الحسد رافقها خلال إحدى جولاتها الفنية فبقيت مريضة طوال فترة الجولة في الولايات المتحدة، وتقول شيرين: «يبدو أن الحسد أصابني لان كثيرين اعتقدوا أنني لا استطيع أن احيي حفلا ناجحا من دون مشاركة مطرب آخر».
هيفاء وهبي، تؤمن بالعين الحاسدة، وتقول أن ثمة دراسات في الجامعات عن هذه الحالات، علما انه يوجد حسد شرير وآخر غير مقصود. وتضيف: «للوقاية من العين أضع دائما خرزة زرقاء، مع أنني أؤمن أن الله وحده هو الحامي».
من جهتها تقول أمل حجازي، أنها تؤمن كثيراً بالعين الحاسدة، وتذكر أنها عندما أقامت حفل توقيع ألبومها «بتدور ع قلبي» في الموقع الأثري «نهر الفنون» نشب حريق كبير وتضرر الموقع، وقد عزت السبب إلى أن عين إصابتها، وخصوصا سأنها وجدت على غطاء سيارتها ضربة كبيرة تشبه عين الحسود.
ميريام فارس التي آمنت بالحسد بعد أن جربته تقول، «لم أكن أؤمن بالحسد، لكن في عمر الخامسة عشر كنت مدعوة مع أهلي إلى حفل زفاف احد الأقرباء، وفي وسط الحفلة طلب مني أن اغني، إلا أنني شعرت بشلل في كل أطرافي ولم استطع الوقوف، وعلى اثر ما حدث، بدا بعض الأشخاص يرقونني وشاهدت دموعهم تنهمر من قوة العين، وبعد دقائق شعرت بتحسن واضح وقمت وغنيت من دون الم».
أما طوني خليفة، فأصبح يؤمن بالحسد بسبب كثرة الأحداث التي تحصل معه في عمله من شدة «نق» الناس عليه، ويذكر طوني انه ذات يوم اشترى سيارة جديدة، وأثناء عبوره على الطريق التقى بأحد أصحابه الذي أعجب بالسيارة وقال له: انتم في «ال. بي. سي» تستطيعون شراء السيارات الفخمة» وما حصل أنه وفي اليوم نفسه تحطمت سيارته تماماً.
نانسي عجرم ترى أن ثمة فرقاً بين الغيرة والحسد، وأنا اشعر بالأثنين، وأصبحت أؤمن بوجود الحسد، بعدما تعرضت لمواقف عدة بسببه، ولذلك أحرص على عدم التكلم عن مشاريعي الكبيرة أمام أحد. بعض الناس يحاربونني لأبعد مدى، والبعض الآخر يحسدني على قدر امكاناته، كما يحاول البعض التأثير علي وإلحاق الأذى بي، لكنني أشعر أن الله معي ويبعد الأذى عني».
يمنى شري، ، تقول أنها كانت تسمع بالحسد والعين دون أن تمارس طقوسهما، وتتابع: «حذرتني والدتي من ذلك، ويبدو أنها كانت صادقة، حيث أصبت بالفعل وأصبحت أؤمن بهما من أي وقت مضى، مع أنني أعرف أن الحسد مذكور في القرآن، وغالباً ما أفاجأ بوالدتي تضع في حقيبتي أشياء غريبة كالملح لتمنع عني العين والحسد». وتضيف: «هذه الأمور لم تكن تشكل لي هاجساً في يوم من الأيام، لأنني أعيش حياتي بصورة طبيعية، وفوق ذلك فأنا إنسانة مؤمنة بربي، ولكن خلال إحدى لقاءاتي بالفنان نبيل شعيل كنت أشعر براحة شديدة، وسعادة غامرة، وخصوصا أن أواصر صداقة قوية تربطني به، وقد وعدني بلقاء مميز وأوفى بما وعد، ولكن ما حدث نهار اليوم الثاني من لقائنا أمر لا يصدقه عقل، إذ فوجئت ودونما أي مقدمات بالإصابة في عيني، وبآلام شديدة لم أقو على تحملها، ما أرغمني على زيارة الطبيب على الفور».
لا يوجد فارق بين مصطلحي العين والحسد. العين: النظرة إلى ما عند الآخرين من نعمة بروح الحسد. العين تأتي بمعنى الحسد وهو هنا عندما يتمنى الحاسد زوال نعمة المحسود. أن الحسد موجود في القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة وما يفعله عموم الناس من وضع الخرزة الزرقاء وأخوتها فهذه التمائم نهى عنها الإسلام ولا أصل لها في الدين الإسلامي، بل إنها خرافات من دعوى الجاهلية توارثناها عن السابقين واستغلها البعض لتحقيق مكاسب مادية.