الساير قدم «كشف حالة» للمواقع المختلفة، يحدوة الامل في تعميق انتمائنا لبلدنا، وخصوصا لدى الاجيال الجديدة التي ربما تعرف شوارع نيويورك، او باريس ولندن عبر دي في ديهات ألعاب «البلاي ستيشن» أكثر مما تعرف عن وطنها... الكويت! الحاجة العلمية جعلت الساير يعتمد على مرجعيات في الكتب المحلية وتلك التي صدرت عن الموثقين البريطانيين، أبان نشأة دولة الكويت .
من الصحراء، حيث رصد الساير احداثها الغابرة، بالغ الساير في القول «اننا دولة حضارية قديمة جدا قبل نشأة الكويت وإن هنا في هذه المواقع الصحراوية حدثت أحداثا جسام» ... فيما كنا كمشاهدين لا نرى أثرا للانسان القديم، وآثار أفعاله كما نرى آثار الاسكندر الاكبر حين مر على جزيرة فيلكا، وترك ما بناه على الارض، الساير تجول بنا على هذه الارض الكويتية، كبيوت ومواقع واسواق ومساجد .
عن الصحراء تحدث الساير عن طبيعتها السهلة وزواحفها كما رأينا الضب وهو من زواحف الصحراء وهو «يتمخطر» فاصطادته كاميرا المخرج سول، ثم التقطه الساير من الارض الصحراوية، ليهدأ بهدوء عجيب بين يديه، وقدمه لمشاهدي «الكشاف»، وصولا الى سفينة البحارة مع ذكره لقصص الاجداد الاولين، الذين أرسو دعائم دولة تعتمد على اقتصاديات البحر كمصدر رزق رئيسي، وتخللته قصص انسانية عن رجال كبار فوق السفينة وطقوس حياتهم حين يكون الانسان بين السماء والماء، ورحلاتهم التجارية الى سواحل أفريقيا ودول اخرى، وكل ما جرى في القرون السابع والثامن والتاسع عشر وفي الثلث الاول من القرن العشرين .
صلاح الساير رست خطوات كشافه عند الاسواق القديمة أيضا مثل سوق «بن دعيج» في منطقة المباركية، وكذلك عرج على المقاهي الشعبية القديمة، ولعب احدى الالعاب الشعبية «المحيبس» التي كانت قاتلة أوقات الفراغ لمرتادي المقاهي الشعبية، الساير زار كل بقعة أرضية وقف عليها الانسان الكويتي في مراحل كفاحه الاولى في هذا البلد الطيب، الذي كان يمور برجالات « كانوا فعلا رجالا» وهي قصص تحتاجها الاجيال الجديدة، للاحتذاء بصلابة عمر رجالنا الاولين وخبراتهم وكفاحهم وإيمانهم بحياة كريمة يستحقونها، بالإضافة الى شحنة الامل، التي كانت تحدوهم لمصارعة كل عوامل قهر الحياة، ابتداء من الضعف الشديد للوضع الاقتصادي، وشح الموارد المعاشية، وقسوة الطقس، الى جانب مجتمع يفتح عينيه على ظروف «محافظة و متزمتة» يمنع عمل المرأة، وفقد المجتمع نصف طاقته الانتاجية، الا فيما ندر من أعمال ابتدائية للمرأة والتى تعمل «من منازلهم» في الخياطة، او امور نسوية اخرى .
بعض من نقد
تميز «الكشاف» بإيقاع سريع غير ممل، وإن عابه الصوت العالي لمقدم الحلقات صلاح الساير، بحيث كنا نسمع صراخا منه، وهو ما يشوش على التقاط المادة الوثائقية القيمة التي يقدمها، ربما يقول قائل ان ظروف التصوير الخارجي تحتاج الى علو «تون» صوته بسبب ضجيج الطبيعة « الهواء الراكد» وهو ما يسمى بالفراغ، لكن .. كان من الممكن التغلب على الصراخ العالي، الذي يخلو من اساسيات الالقاء الاذاعي، عبر استخدام تقنيات صوت متقدمة جدا، وهو متوافر في السوق المحلي او دبي، وصنعت لظروف التصوير الخارجي، مع اني « اشك» ان الطبيعة كانت مشوشة، لان وجود صلاح بالصحراء، كان بلا هدير « صوت» الريح العالي او العواصف الترابية، وكان من حق المشاهدين الاستماع الى صوت نقي لتصلهم المعلومة .
روعة الشايجي
كان الصوت الشجي بعمق وقوة، والمعبر عن جميع الحالات الانسانية للاستاذ الاعلامي صالح الشايجي، هادرا بحلاوة لا تحد، فهو أبو الالقاء الاذاعي بالخليج والجزيرة العربية، الشايجي طاقة صوتية مذهلة، عبرت بجمال وابهار سمعي يأخذ اذنيك بنعومة وسلاسة، الى حيث المعلومات القيمة التي يتلوها علينا. ويقرأها « بتون» متعدد الالوان والنقلات، بحسب المادة التي يعلق عليها، اضافة الى حرفيته في الالقاء والوقف والنفس. وهي مبادئ أساسية في الالقاء الاذاعي.
أزياء غير مناسبة
ربما ملاحظة نقدية أخرى نتمناها على الساير، منتجا ومعدا ومقدما لإثراء البرنامج في مسيرته الاكتشافية التلفزيونية، وهى تتعلق بما ارتداه صلاح الساير من زي للتنقل بين الاماكن في برنامجع «الكشاف»، والذي لم يكن زي الكشافة المعروف، بل ارتدى أزياء عصرية، حاملا حقيبة التنقل على ظهره وهذا لا يتناسب مع فكرة البرنامج المتحول بين البيئات المختلفة من بحر وبر، كان على الساير ان يكون متسقا مع فكرة البرنامج، وسيكون جميلا لو انه عمل على ان يكون صحراويا وبحريا بأزيائه واكسسواراته، معبرا عن أزياء الرجال في تلك الفترة، ملهما المشاهدين عما كانت عليه الازياء في الصحراء ولسكان السواحل البحرية باختلاف الفصول وبحسب نوعية العمل، وحتما كانت ستمنحنا بعدا معرفيا جميلا، وفكرة عن أزياء تلك الفترة بحرا وبرا .
كما كانت الاغنيات المناسبة لكل بيئة معبرة عن روح النص، وأيضا الموسيقات والمؤثرات الصوتية، كانت عنصرا مهماً جدا، في اضفاء القوة والاثر العميق، والمتسق مع حلقات برنامج «الكشاف» الذي كان درة الانتاج الخاص، على الفضائية الكويتية القناة الاولى .
دليل بلادي
«الكشاف» دليل ذو معطيات علمية وأدبية مهمة جدا لو تصالحت مع بعض الاخطاء الفنية، يصلح ايضا للمكتبة الوثائقية الرسمية للدولة، ويجب ترجمة بعض حلقاته للغات حية اخرى، لتقديم الكويت لغير الناطقين باللغة العربية، بصورتها ذات الطابع المعلوماتي والانساني كما قدمها الساير، كما انها مرجعا مهما لطلاب المدارس الحكومية، الذين يعانون «المر» من نقص الموارد المعلوماتية، ان كانت كمعلومة او صور في المكتبات التجارية، والتي توفر حاليا صورا، في منتهى البؤس التجاري يستخدمها طلاب المراحل الدراسية المختلفة .
كشاف صلاح الساير، .. صالح بسلاسة وثقة التاريخ على جغرافية الوطن، وهو عمل يشكر عليه، خصوصا حين أدرك، ان صلاح الساير يهدف الى تقديم هذة المادة القيمة لكل الاجيال، لتظل ذاكرتها حية موصولة بمعرفة رحم هذا الوطن الطيب.