أفضل الجهاد ... الحج المبرور
1 يناير 1970
05:22 م
| د. احمد حمود الجسار |
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم اما بعد هلت علينا ايام هي من افضل ايام العام شرفها الله على سائر الايام لما فيها من المشاعر العظام ففيها يقصد الناس بيت الله الحرام متلبسين بالاحرام، سائلين الملك العلام الفوز برضاه والجنة والنجاة من سخطه والنار قال الغني عن خلقه تبارك وتقدس: (ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) آل عمران 97. هذه الشعيرة العظيمة من شعائر الاسلام، فرضها الله على عباده كما قال ابو هريرة رضي الله عنه: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا ايها الناس! ان الله قد فرض عليكم الحج فحجوا) رواه مسلم، والحج لغة هو قصد شيء معظم اما اصطلاحا وشرعا فالحج هو قصد بيت الله الحرام بأعمال مخصوصة بينها النبي صلى الله عليه وسلم للامة وقال: (خذوا عني مناسككم) والحج من فرائض الاسلام كما روى ابن عمر رضي الله عنهما ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (بني الاسلام على خمس: شهادة ان لا إله إلا الله وان محمدا رسول الله واقام الصلاة، وايتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان) متفق عليه، فالحج من افضل الاعمال واشرفها، ومن اعظم القربات إلى رب الارض والسماوات روى البخاري ومسلم عن ابي هريرة قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم اي العمل افضل؟ قال: (ايمان بالله ورسوله) قيل: ثم ماذا؟ قال: (الجهاد في سبيل الله) قيل: ثم ماذا؟ قال: (حج مبرور) انه منسك عظيم وعبادة عظيمة ولذلك ترتب عليها اجر عظيم قال ابو هريرة رضي الله عنه: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته امه) متفق عليه. فالحج طهارة من الذنوب بل انه يهدم ما كان قبله من الاثم كما قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: لما جعل الله الاسلام في قلبي اتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يدك فلأبايعك فبسط فقبضت يدي فقال (ما لك يا عمرو؟ قلت اشترط قال تشترط ماذا قلت ان يغفر لي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (اما علمت ان الاسلام يهدم ما قبله وان الهجرة تهدم ما كان قبلها وان الحج يهدم ما كان قبله) رواه مسلم لذلك قيل ان بعض الحجاج مروا على الصحابي ابي ذر رضي الله عنه في الربذة فسألهم ما الذي اخرجهم قالوا نريد الحج قال الله ما اخرجكم الا ذلك؟ قالوا الله قال استأنفوا العمل يعني انكم ستفتحون صفحة جديدة خالية من الذنوب فالحج عبادة عظيمة لها شأنها العظيم عند الله تبارك وتعالى ولذلك من اداها على وجهها الاكمل استحق اكمل جزاء وهو الجنة روى ابو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) متفق عليه، والحج المبرور كما قيل هو الذي لا يخالطه اثم وقيل هو الذي لا رياء فيه ولا سمعة ولا رفث ولا فسوق وروى الامام احمد عن جابر رضي الله عنه مرفوعا الى النبي صلى الله عليه وسلم (بر الحج: إطعام الطعام وطيب الكلام) حسنه الألباني صحيح الجامع 2812، وعلامة قبول العمل كما قيل ان يزداد العبد بعده خيرا واقبالا على الله وبعدا عن المعاصي وروي عن الحسن البصري رحمه الله انه قال: الحج المبرور ان يرجع زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة.
ولعظم هذا المنسك الشريف صار من انواع الجهاد كما سألت ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله نرى الجهاد افضل العمل افلا نجاهد؟ وانظر إلى علو همة الصحابيات وعلى رأسهن امهات المومنين رضي الله عنهن كلهن ليس تتبع آخر الصيحات والصرعات من الازياء والاصباغ ولكن افلا نجاهد؟ هذه همة نساء الصحابة فكيف بالرجال؟ فلا عجب ان نشروا دين الله وادخلوا الناس فيه افواجا بفضل الله. قالت ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها: أفلا نجاهد؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا! لكن افضل الجهاد حج مبرور) متفق عليه، وفي رواية قالت: يا رسول الله! ألا نغزو ونجاهد معكم؟ فقال: (احسن الجهاد واجمله الحج، حج مبرور) فقالت عائشة: فلا ادع الحج بعد اذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه البخاري ذلك لأن الجهاد والقتال غير مقصود لذاته بل لإقامة ذكر الله وشعائر الدين. والحج فيه من اقامة ذكر الله الشيء العظيم احرام وتلبية، وطواف (وليطوفوا بالبيت العتيق) وسعي (ان الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت او اعتمر فلا جناح عليه ان يطوف بهما) ومبيت بمنى وقوف بعرفة ومبيت بمزدلفة (واذكروا الله عند المشعر الحرام) ورمي الجمار ونحر الهدي شعائر عظيمة جمعت بين الاعمال القلبية والمالية والبدنية.
ومن انفق في سبيل الله للحج فلا يخش الفقر! عن جابر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اديموا الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد) رواه الطبراني وصححه الألباني. فهو ينفي الفقر كما ينفي الذنوب ومن انفق في سبيل الله الغني مالك الملك المستوي على عرشه كيف يخشى الفقر؟ قال صلى الله عليه وسلم لمؤذنه بلال رضي الله عنه: (انفق يا بلال، ولا تخش من ذي العرش اقلالا). رواه البزار وصححه الألباني صحيح الجامع 1512. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب إلا الجنة) رواه احمد والترمذي وصححه الألباني والحاج في ضمان الله كذلك كما روى ابو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: (ثلاثة في ضمان الله عز وجل: رجل خرج الى مسجد من مساجد الله ورجل خرج غازيا في سبيل الله، ورجل خرج حاجا) رواه ابو نعيم وصححه الألباني ومن ضمنه الله. فهل يخاف الضيعة؟ فيا من عزمت الحج ابشر بالخير ممن بيده الخير كله، من الله تعالى واكثر من الدعاء لنفسك ولغيرك، ولأمة الاسلام بالعزة والنصر والتمكين واسأل الله من فضله، لا سيما عند الاماكن الفاضلة، كالطواف بالبيت، وعند الصفا والمروة وبينهما وعند وقوفك بعرفة وفي مزدلفة وعند الجمرات وغيرها فدعوة الحاج مستجابة باذن الله فعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله، دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم) رواه ابن ماجه وابن حبان وصححه الألباني، واكثر من التلبية عند الانتقال بين المشاعر فأفضل الحج العج والثج وفي عرفات حين تتنزل الرحمات من رب الارض والسماوات رحمان الدنيا والآخرة اسأل الله النجاة من النار، فعن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها وعن ابيها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما من يوم اكثر من ان يعتق الله عبدا من النار من يوم عرفة) رواه مسلم.
فيا من انعم الله عليه بأعظم نعمة وهي الاسلام، ثم وسع عليك في الرزق واعطاك من الصحة والقوة ما اعطاك سارع ولا تتأخر! فإنك لا تدري ما قد يعرض لك ان فاتك هذا الموسم! وقد قال ربك تبارك وتعالى: (ولله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) ال عمران 97. وقال النبي صلى الله عليه وسلم (تعجلوا إلى الحج! فإن احدكم لا يدري ما يعرض له) رواه احمد وابو داود وصححه الألباني صحيح الجامع 2957 وقال صلى الله عليه وسلم (من اراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الضالة وتعرض الحاجة) رواه احمد وابن ماجه وحسنه الألباني وروي عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه انه قال: استكثروا من الطواف بهذا البيت قبل ان يحال بينكم وبينه!
وها قد حج الحجيج، وتخلف صاحب عذر، ومن لم يكن له عذر!
فبادروا الآجال بالاعمال (وتوبوا إلى الله جميعا ايها المؤمنون لعلكم تفلحون) اللهم من اراد الحج فيسر له ذلك واحفظ الحجيج يا رب العالمين، وتقبل منا ومنهم ويسر لهم عمارة مسجدك الحرام (انما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر واقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى اولئك ان يكونوا من المهتدين) التوبة 18. ربنا ارحم والدينا كما ربونا صغارا، واغفر لنا ولأرحامنا وشيوخنا والمسلمين، والحمد لله رب العالمين.