العمل التطوعي في حياة الصحابة
1 يناير 1970
07:16 ص
لقد ربى رسولنا صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام على البذل والعطاء والتطوع، فكانوا جيلا فريدا لم يظهر مثله في التاريخ فقد بذلوا حياتهم واموالهم واوقاتهم وتطوعوا بكل ما يملكون، ولعل التاريخ يسطر بحروف من نور تطوعهم، كيف لا وقد رأوا نبيهم خير قدوة واسوة يدعوهم ويشجعهم على العطاء والتضحية والتطوع، ويتسابق معهم على ذلك فاقتدوا به واهتدوا بهديه.
نماذج من تطوع الصحابة رضي الله عنهم:
-1 عن ابي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: «كنا نتناوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنبيت عنده تكون له الحاجة او يطرقه امر من الليل فيبعثنا، فيكثر المحتسبون وأهل النوب...».
-2 عن الهيثم بن نصر الاسلمي رضي الله عنه قال: «خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولزمت بابه في قوم محاويج فكنت آتيه بالماء من بير أبي الهيثم، وكان ماؤها طيبا».
-3 عن انس بن مالك رضي الله عنه قال: جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ان ابعث معنا رجالا يعلمونا القرآن والسنة فبعث اليهم سبعين رجلا من الانصار يقال لهم القراء، فيهم خالي «حرام» يقرأون القرآن ويتدارسون بالليل يتعلمون، وكانوا بالنهار يجيئون بالماء فيضعونه في المسجد، ويحتطبون فيبيعونه ، ويشترون به الطعام لاهل الصفة وللفقراء.
-4 وهذا جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه لقبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي المساكين.
فعن ابي هريرة رضي الله عنه قال: «كان أخير الناس للمسكين جعفر بن ابي طالب، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى انه كان ليخرج الينا العكة التي ليس فيها شيء فنشقها فنعلق ما فيها»، فقد ضرب الصحابة الكرام أروع الامثلة في العمل التطوعي.
نماذج من تطوع نساء الصحابة
لم يقتصر العطاء والتطوع على الرجال من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد تطوعت الصحابيات رضي الله عنهن وضربن اروع الامثلة في ذلك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «النساء شقائق الرجال» والله سبحانه وتعالى خاطب في كتابه الكريم الرجال والنساء بقوله: (يا أيها الذين آمنوا)، فللمرأة في الشريعة الاسلامية دور كبير في مساهمتها في خدمة دينها وعقيدتها وخدمة ابناء مجتمعها، والتاريخ خير شاهد على ما قدمته المرأة المسلمة من تطوع وعطاء:
-1 رفيدة الانصارية صحابية جليلة كانت تداوي الجرحى، وتحتسب بنفسها على خدمة من كانت به ضيعة من المسلمين، وحين اصيب سعد بن معاذ- رضي الله عنه- في غزوة الخندق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوه في خيمة رفيدة».
-2 عن انس رضي الله عن قال: لما كان يوم احد انهزم الناس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ولقد رأيت عائشة بنت ابي بكر وام سليم وانهما لمشمرتان ارى جذم سوقهن تنقزان القرب- وفي رواية تنقلان القرب- على متونهما ثم تفرغانه في افواه القوم، ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتفرغانه في افواه القوم».
-3 عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم نسقي ونداوي الجرحى، ونرد القتلى إلى المدينة.
-4 وهذه نسيبة بنت كعب بن عوف المازنية «أم عمارة» صحابية جليلة من الانصار، كانت تشارك في ساحة المعارك تسقي العطشى وتداوي الجرحى، وتلهب في نفوس المسلمين روح القتال، حملت السيف وقاتلت دفاعا عن رسول الله في غزوة احد، ويقول عنها عليه السلام: «ما التفت يمينا ولا شمالا الا ورأيتها تقاتل دوني»، جرحت اثني عشر جرحا بين طعنة برمح وضربة سيف، وتوفيت بالمدينة، شهدت أحدا، وشهدت بيعة الرضوان، وشهدت معركة اليمامة مع خالد بن الوليد، فقاتلت حتى قطعت يدها.
-5 وأسماء بنت ابي بكر الصديق «ذات النطاقين» رضي الله عنهما من السابقين إلى الاسلام تطوعت لتتكفل بحمل الغذاء والماء لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه ابي بكر الصديق طيلة اختبائهم بجبل ثور جنوب مكة عندما قرروا الهجرة إلى المدينة المنورة معرضة نفسها للمخاطر والاهوال وقطاع الطرق، غير انها لا تبالي في سبيل الله، وقد وضعت روحها لهما، لقبت بذات النطاقين لانها شقت نطاقها (حزامها) قطعتين لتحمل قربة الماء وكيس الخبز على ظهرها لرسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق.
نماذج من تطوع التابعين
سار التابعون على خطى الصحابة الكرام فضربوا اروع الامثلة في البذل والعطاء والتطوع فكانوا قدوة لمن بعدهم من المسلمين، فهم من خير القرون كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم...».
ونضرب في ذلك مثلا من المتطوعين في هذا القرن ليدل على مشاركتهم وايجابيتهم وحبهم لفعل الخير، فهذا علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب رضي الله عنهم يضرب اروع الامثلة في التطوع والعطاء.
عن ابي حمزة الثمالي قال: كان علي بن الحسين- يعني ابن علي بن ابي طالب- يحمل جراب الخبز على ظهره بالليل، فيتصدق به، ويقول: (إن صدقة السر تطفئ غضب الرب عز وجل)، وعن شيبة بن نعامة قال: كان علي بن الحسين يبخل فلما مات وجدوه يقوت أهل بيت بالمدينة.
وعن عمرو بن ثابت قال: لما مات علي بن الحسين فغسلوه جعلوا ينظرون إلى اثار سواد بظهره، فقالوا: ما هذا؟ فقيل: كان يحمل جرب الدقيق ليلا على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة.
د. خالد يوسف الشطي