دراسة / مطهرة للفم ... مرضاة للرب وخاصة للصائمين
السواك... خصلة من خصال الفطرة وسنة من سنن الأنبياء
1 يناير 1970
10:57 ص
| بقلم - عبدالله متولي |
روى الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال: «لولا ان أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة». وفي رواية الإمام مسلم في صحيحه «عند كل صلاة».
والسواك خصلة من خصال الفطرة وسنة من سنن المرسلين سنها رسول الأمة محمد (صلى الله عليه وسلم) وللسواك فضل وفوائد وبخاصة عند الصائمين، ولما لهذه الخصلة من قدر عند الأمة الإسلامية رأينا ان نقدم دراسة وافية نعرض فيها لكل جوانب هذه الخصلة الكريمة لبيان معناها وفضلها والحالات التي يتأكد فيها السواك، وما يستاك به وحكم السواك بالأصابع وكيفية السواك. وأخيرا حكم السواك بالنسبة للصائم. وسنقوم بعرض هذه الدراسة من خلال طرح أسئلة والإجابة عنها حتى نوفر على القارئ مشقة.
السؤال: ونقدم له المعلومة بشكل ميسر وسهل في تحصيله، وحسبنا أننا أحسنا القصد وأخلصنا النية والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
• ما معنى السواك؟
- السواك بكسر السين يطلق على الفعل، أي فعل السواك عندما يستاك المسلم.
كما يطلق على العود الذي يدلك به الأسنان، وجمعه سوك ككتاب وكتب.
والسواك في الشرع هو: استعمال عود أو نحوه في الأسنان لاذهاب التغير. إذا فكلمة السواك تطلق على العود وعلى الفعل معاً.
فضل السواك
• تبوأ السواك منزلة عظيمة بين خصال الفطرة لفضل فيه... فما هذا الفضل؟
- السواك من خصال الفطرة وسنن الأنبياء، ففي صحيح مسلم عن السيدة عائشة - رضي الله عنها - قالت: «قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «عشر من الفطرة... وذكر منها السواك».
وفي مسند الإمام احمد عن أبي أيوب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «أربع من سنن المرسلين: التعطر والنكاح والسواك والحناء».
لقد أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالسواك وحث عليه بعبادة تشعر بأهميته وضرورة المحافظة عليه ومداومة استعماله وعدم اهماله، او التهاون فيه، وهو قوله عليه الصلاة والسلام: «لولا ان أشق على أمتي». وفي رواية (على المؤمنين)، وأخرى (على الناس) لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة، وفي رواية للبخاري مع كل وضوء. أجل... لأمر به المؤمنين لأنهم هم العقلاء الذين يمتثلون لأمره (صلى الله عليه وسلم) ، ويحرصون عليه ولا يفرطون فيه، لأنهم أعلم الناس بقدر هذا النبي العظيم وحبه لهم، بل حبه الخير للبشر عامة ومن ثم فقد قال: «على أمتي»، فلولا المشقة على المؤمنين إذا لألزمهم به وأوجبه عليهم مع كل صلاة، أو مع كل وضوء، ولكن بقي الأمر به على الندب ولا يفوت الصحابة هذا الخير العظيم، فكان لهم الحظ الأوفر من الامتثال والاتباع، لأنهم خير قرون بني آدم فهما وعلماً وأدباً وامتثالاً، فهم كما قال ابن مسعود - رضي الله عنه - أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً وأقومها هدياً، وأحسنها خلالاً، قوم اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه (صلى الله عليه وسلم) وإقامة دينه، فمن عرف لهم فضلهم واتبعهم كان على الهدي المستقيم. فقد روى ابو داود والترمذي عن سلمة عن يزيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، وقال أبو سلمة: «فكان يزيد بن خالد يشهد الصلوات في المسجد وسواكه على اذنه موضع القلم من اذن الكاتب لا يقوم إلى الصلاة الا استن ثم رده إلى موضعه» وعن صالح بن كيسان، ان عبادة بن الصامت وأصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان السواك يلازم آذانهم.
هذا سلوك قوم كمل عقلهم - رضي الله عنهم - صدقوا ما عاهدوا الله عليه فامتثلوا اعظم امتثال، وكيف لا يمتثلون وهم يتلون كتاب الله، ويتدارسونه في بينهم، أي حياة آمنة سعيدة مليئة بالخير بعيدة عن كل شر.
لقد ادركوا رضوان الله عليهم في هذا الأمر من الخير لهم. وما يترتب عليه من محافظة على صحتهم وسلامتهم من مضار كثيرة تلحق بهم نتيجة إهمال نظافة اسنانهم، فكان الواحد منهم يغرز السواك في عمامته او يضعه على اذنه موضع القلم ليكون سهل التناول قريباً منه عند مواطن الطاعة وامتثالاً لقول النبي (صلى الله عليه وسلم) .
فوائد السواك
• معنى ذلك ان للسواك فوائد عظيمة. فهل لنا ان نتعرف عليها؟
- للسواك فوائد عظيمة وحكم جليلة ادركها الأطباء حديثاً وكان قد نبه اليها سيد البشر منذ فجر الإسلام في نصوص كثيرة، فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن عائشة - رضي الله عنها - قال: إن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: «السواك مطهرة للفم مرضاة للرب». ومطهرة للفم اي مطهر للفم مما يعلق فيه بين الأسنان ويحدث تغييراً في رائحته ويصيبه ببعض الأمراض، أما كونه سبباً لرضا الله تعالى فلأن الإتيان بالمندوب موجب للثواب، ولأنه مقدمة للصلاة وهي مناجاة للرب عزوجل، ولا شك ان طيب الرائحة يحبه صاحب المناجاة.
والسواك من سنن المرسلين، والتقرب بالنوافل إلى الله تعالى سبب لمرضاته وحبه لعبده. والله تعالى إذا رضي على العبد بارك له وليس لبركته منتهى، فيبارك له في سمعه وبصره وعقله واعضائه جميعاً ويبارك له ايضاً في طاعته وامتثاله لربه ودينه، ويحقق له ما لا يخطر له على بال من أسباب السعادة في الدنيا والآخرة. وقد ذكر الإمام القشيري جملة من فوائد السواك رواها عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: «عليكم بالسواك فإن فيه أربعاً وعشرين خصلة افضلها ان يرضي الرحمن وتضاعف صلاته سبعاً وسبعين ضعفاً، ويورث السعة والغنى، ويطيب النكهة، ويشد اللثة، ويسكن الصداع، ويذهب وجع الضرس، وتصافحه الملائكة».
وروى ابن ابي شيبة عن الشعبي قال: «السواك جلاء للعين طهور للفم».
حكم السواك
• بعد أن تعرفنا على معنى السواك وفضله وفوائده تحتم علينا ان نتعرض لحكمه في الإسلام... فما حكم السواك؟
- السواك سنة على الصحيح من أقوال العلماء لقوله (صلى الله عليه وسلم) «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة» فهذا يفيد ان السواك ليس بواجب. قال الشافعي - رحمه الله تعالى - «لو كان واجباً لأمرهم به شق أو لم يشق».
لكن مع كون السواك سنة إلا انه يصبح سنة مؤكدة في بعض الأوقات:
- عند القيام إلى الصلاة لهذا الحديث، فقد أمر الشرع الشريف بالاهتمام به كل الاهتمام، فنعد وننظف لهما المكان ونأخذ لها من الزينة وحسن الهيئة ما يرضي به الرحمن، كذلك نحافظ على السواك الذي أمر به الرسول الكريم، فقد روى الإمام احمد عن ام المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عن النبي (صلى الله عليه وسلم) انه قال: «فضل الصلاة بالسواك على الصلاة بغير سواك سبعين ضعفاً». وروى الحافظ المنذري عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ان النبي (صلى الله عليه وسلم) قال «لأن أصلي ركعتين بسواك أحب اليّ من أن أصلي سبعين ركعة بغير سواك».
قال ابن دقيق العيد: الحكمة من استحباب الاستياك عند القيام إلى الصلاة كونها حالة تقرب إلى الله، فاقتضى ان تكون حال كمال ونظافة، إظهار لشرف العبادة. وقيل ان الحث على السواك عند الصلاة لأن الملك يستمع لقراءة المصلي ويقترب منه يضع فاه على فيه، فقد روى البذار في مسنده عن علي بن أبي طالب - كرم الله وجهه - قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «إن العبد اذا تسوك وقام يصلي قام الملك خلفه فيسمع لقراءته فيدنو منه حتى يضع فاه على فيه فما يخرج من فيه شيء من القرآن الا صار في جوف الملك فطهروا أفواهكم للقرآن».
- كذلك يتأكد السواك عند كل وضوء. فقد روى الإمام أحمد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - من حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) «... لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء».
- ويتأكد السواك كذلك عند قيام الليل،ففي الصحيح عن حذيفة - رضي الله عنه - قال: «كان النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا قام من الليل يشوص فاه» ومعنى يشوص: أي يدلك اسنانه وينقيها، وقيل يستاك من أسفل إلى أعلى.
- ويصبح السواك سنة مؤكدة ايضاً عند دخول البيت. فعن المقدام بن شريح عن ابيه قال: سألت عائشة - رضي الله عنها - بأي شيء كان يبدأ النبي (صلى الله عليه وسلم) إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك.
ويسن السواك عند قراءة القرآن، وعند تغير الفم لطول سكوت او أكل شيء يغير رائحة الفم او خلو المعدة من الطعام او غير ذلك.
عودة الأراك
• إذاً ما الذي يصح للمسلم ان يستاك به، وهل هناك ما يكره الاستياك به؟
- الأولى لمن وفق لهذه السنة ان يستاك بعود اراك لين ينقي الفم ولا يجرح اللثة، ويكره السواك بكل ما يجرح الفم ويضره.
قال بدر الدين العيني: المستحب ان يستاك بعود أراك. وقد روى الإمام البخاري من حديث أبي خبرة الصحابي قال: كنت مع الوفد، فزودنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالأراك وقال: استاكوا بهذا.
وروى الإمام أحمد في مسنده عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه كان يجتني سواكاً من الأراك وكان دقيق الساقين فجعلت الريح تكفؤه فضحك القوم منه فقال رسول الله محمد تضحكون؟ قالوا: يا نبي الله من دقة ساقيه، فقال: والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أُحد».
وقال ابن عبدالبر: والسواك المندوب اليه هو المعروف عند العرب، وفي عصر النبي (صلى الله عليه وسلم) وذاك الأراك في الشام. وقال: وكل ما يجلوا الأسنان إذا لم يكن فيه صبغ ولون فهو مثل ذلك، ماخلا الريحان والقصب فإنهما يكرهان.
وذكر الإمام الغزالي ان السواك يكون بقضبان الأشجار.
قال الرافعي: وليس ذلك على سبيل الاشتراط لكنها - أي الأشجار - أولى من غيرها. قال: والأولى منها الأراك ثم قال: والأحب ان يكون يابساً ليناً بالماء، وأصل السنة تتأدى بكل خشن يصلح لإزالة القلح كالخرقة والخشبة ونحوها.
السواك بالأصبع
• وما حكم السواك بالأصبع؟
- من قدر على عود الأراك أوقضبان الأشجار التي تسد مسده وتؤدي الغرض،وهو الاتيان بالسنة مع نظافة الأسنان فهو أفضل،ومن عجز عن ذلك وأراد ان يتسوك بالأصابع فله ذلك. وقد ذكر في كتاب المغني ان من استاك بأصبعه او خرقة لا يصيب السنة، لأن الشرع لم يرد به ولا يحصل الانقاء به حصوله بالعود. قال: والصحيح انه يصيب بقدر ما يحصل من الانقاء، ولا يترك القليل من السنة للعجز عن كثيرها.
كيفية السواك
• ما الكيفية التي يجب على المسلم اتباعها عند السواك؟
- من السنة ان يبدأ بجانب فمه الأيمن قياساً على الوضوء واقتداء برسول الله (صلى الله عليه وسلم) . فقد روى الشيخان عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: «كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يعجبه التيمن في تنحله وترجله وطهوره وفي شأنه كله». ويستاك عرضاً فإن ذلك يساعد على نظافة الأسنان واخراج ما بينها من فضلات. فقد روى أبوداود في المراسيل عن عطاء بن أبي رباح قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «اذا شربتم فاشربوا مصاً وإذا استكتم فاستاكوا عرضاً». وحكى الرافعي عن امام الحرمين انه يمرر السواك على طول الأسنان وعرضها، فإن اقتصر على احدى هاتين الجهتين فالعرض أولى.
والمفهوم من ذلك انه يحرك السواك من خارج فمه وجهة الشفتين إلى الداخل بعرض الأسنان منعاً لجرح اللثة، لكن قال الشيخ المطيعي محقق المجموع - رحمه الله - اطباء الأسنان يقولون: إن الاستياك الصحيح يكون طولاً أي أعلى وأسفل لأن الغشاء العاجي الأملس الذي يكسو الأسنان ينبغي المحافظة عليه، والاستياك عرضاً يضر بهذا الغشاء فيسرع إلى الأسنان الفساد، قال: وعلى هذا يتوجه كلام إمام الحرمين.
ومن السنة ان يحرك السواك على لسانه وداخل أسنانه وسقف حلقه، كل هذا يساعد على نظافة الأسنان ويطيب رائحة الفم.
السواك للصائم
• أما بالنسبة للصائم فهل يجوز له استعمال السواك في نهار رمضان، وما احكام استعماله؟
- استدل العلماء على استحباب السواك مطلقاً للصائم وغيره بعموم قوله (صلى الله عليه وسلم) «عند كل صلاة»، فقالوا: يستحب السواك للصائم بعد الزوال عند صلاة الظهر وصلاة العصر، وعند كل وضوء، قال ابن المنذر: ورخص فيه في جميع النهار النخعي وابن سيرين وعروة بن الزبير ومالك، وأصحاب الرأي، قال: روي ذلك عن عمر وابن عباس وعائشة - رضي الله عنهم - واستدلوا لذلك ايضاً بما رواه احمد وأبوداود والترمذي عن عامر بن ربيعة قال: «رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما لا احصي يتسوك وهو صائم».
وروى ابن ماجة عن عائشة - رضي الله عنها - قالت «من خير خصال الصائم السواك».
وقال بكراهة السواك بعد الزوال الشافعي واحمد وأبو ثور، وروي عن عمر وعطاء، واستدلوا كذلك بما رواه مسلم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك»، قالوا: وازالة المستطاب مكروه كدم الشهداء وشعث الاحرام.
وكذلك عند الحنابلة يسن التسوك للصائم بيابس قبل الزوال فقط.
قال في المغني: يمسك من وقت صلاة الظهر إلى ان تغرب الشمس. قال ابن عقيل: لا يختلف المذهب انه لا يستحب للصائم السواك بعد الزوال. قالوا: والخلوف إنما يظهر غالباً بعد الزوال فوجب اختصاص الحكم به، وبهذا أجابوا عن حديث عامر بن ربيعة وعائشة أنهما محمولان على ما قبل الزوال.فيباح السواك مطلقاً. وعن عطاء - رضي الله عنه - قال: استك أول النهار ولا تستك آخره إن كنت صائماً. قيل له: ولم؟ قال: إن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك. وعن مجاهد - رحمه الله - انه كره السواك للصائم بعد الزوال.
الا ان بعض أصحاب الرأي يرون انه اذا تضرر الصائم من رائحة فمه فلا حرج من استعمال السواك لظهور الإباحة وان احتاط فامتنع كان حسناً.
والخلاصة ان السواك خصلة من خصال الفطرة وسنة من سنن الأنبياء والمرسلين، وانه ذو فضل عظيم وفوائد جليلة للمسلم. وهو سنة عند المسلمين وسنة مؤكدة في بعض الأوقات كالصلاة وعند الوضوء ودخول البيت وغيرها، وهو للصائم جائز قبل الزوال مكروه بعده.