منذ أيام الإسلام الاولى لم يكن عبثا ان اختار الله سبحانه وتعالى- العرب أمة للدين الخاتم، واختار لغتهم لتكون لغة هذا الدين، بل يزيد البعض- طبقا لما جاء في بعض الآثار- انها ستكون لغة أهل الجنة في الجنة، وفي القرن الماضي- للأسف- حوربت اللغة العربية وأقيمت سدود ما بينها وبين الأمة التي يفترض ان تكون لغتها الأساس وجامع وحدتها.
علاقة متينة
ولمناقشة اهمية اللغة العربية وعلاقتها بهذا الدين يمكن طرح السؤال التالي: إلى اي درجة يمكن القول ان العلاقة بين اللغة العربية والاسلام علاقة عضوية لافكاك لها؟
وللاجابة عن هذا السؤال نقول:
لا شك ان اللغة مما ميز الله به الانسان- اللغة الناطقة المصورة المعبرة- كما قال تعالى: «الرحمن علم القرآن خلق الانسان علمه البيان»، البيان سواء اكان بيانا نطقيا ام بيانا خطيا، لانه ايضا «علم بالقلم» والقلم احد اللسانين، فعلم الانسان البيان وعلمه اللغة ليعبر بها عما في نفسه وليتفاهم بها مع غيره، فهي اداة من ادوات التواصل، ولذلك هي ظاهرة من الظواهر الحضارية والاجتماعية في كل الامم، والله- سبحانه وتعالى- خص اللغة العربية بان تكون لغة هذا الدين ولغة القرآن الكريم الذي هو الاصل الاول والمصدر الاول لهذا الدين عقيدة وشريعة واخلاقا وثقافة وحضارة، هذا القرآن عربي «نزل به الروح الامين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين»، «انا انزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون»، فالقرآن عربي... عربي من غير شك، ولذلك قالوا انه اذا ترجم لم يعد قرآنا، فالقرآن هو اللفظ العربي، لذلك نقول: ترجمة معاني القرآن أو تفسير القرآن... قال تعالى «كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا»، وهذا سر العلاقة المتينة بين اللغة العربية والاسلام ولا فكاك لهذه العلاقة العضوية القوية لان العربية فهي لغة القرآن الذي هو اصل الدين ومصدره وبما ان القرآن بغير اللغة العربية لا يعد قرآنا، والقرآن مصدر هذا الدين، اذا فلن تتحقق صور الاسلام الصحيح بغير اللغة العربية.
عروبة القرآن
ما تقدم يدفعنا إلى طرح سؤال اخر توضح اجابته دور اللغة العربية في حفظ كيان الامة والسؤال يقول: ما الحكمة من عروبة القرآن خصوصا ان العرب كانوا اقلية في البشرية في ذلك الوقت؟
وللاجابة عن هذا السؤال نبدأ بقول الله تعالى: «الله اعلم حيث يجعل رسالته»، فقد اختار الله سبحانه- الرسول- صلى الله عليه وسلم، من جنس العرب، واختار العرب ليكونوا هم حملة الرسالة معه ومن بعده، واختار ارض العرب لتنطلق منها هذه الدعوة، لانه ربما لو نشأ الرسول- صلى الله عليه وسلم- في الامم الكبرى التي يحكمها كسرى او قيصر كانت دعوته ابيدت من اول يوم، ولم يسمح له بالوجود، فاختار الله ارض العرب لانها كان فيها خصائص لهذا الدين ان ينشأ ويثبت رغم وقوف العرب ضد هذه الدعوة في اول الامر، وان الله اختار اللغة العربية لتكون لغة كتابه الخالد وكلامه المعجز، فاختار العرب لما لهم من خصائص معينة، واختار الارض لما لها من طبيعة معينة، وهذا ما جعل الدين الاسلامي ينشأ في ارض العرب وفي جزيرة العرب وفي مكة على وجه الخصوص وينطلق منها.
فكانت هذه اللغة هي لغة القرآن ولغة السنة النبوية لان النبي- صلى الله عليه وسلم- تحدث بها، وعلى هذا كانت اللغة العربية هي لغة الثقافة الدينية الاسلامية، فلا يمكن للانسان ان يكون عالما في هذا الدين او فقيها فيه ومجتهدا او مستنبطا او داعية الا اذا درس العربية وتعلم اصولها وقواعدها، فهي المتحدث الرسمي للقرآن والسنة وفهم معانيهما، كما انها لغة العبادة ايضا، فلا تستطيع ان تتعبد لله تعالى- وتصلي الا اذا حفظت التكبيرات وحفظت الفاتحة وحفظت ما تيسر من القرآن وحفظت التشهد... ولذلك قال الامام الشافعي- رحمه الله- «يجب على كل مسلم ان يتعلم العربية ويتعلم منها الحد الادنى الذي تصح به صلاته»، ثم هي من ناحية اخرى اللسان المشترك بين المسلمين بعضهم وبعض... ويكفينا ان نقول ان هذه اللغة هي لغة القرآن ولغة الحديث ولغة الثقافة الاسلامية ولغة العبادة، وهي اللسان المشترك بين المسلمين بصفة عامة، وهذه اسباب عروبة القرآن الكريم.
ولكل ما تقدم كان للغة العربية الدور الابرز في حفظ كيان الامة العربية... وهذا ما يدفعنا إلى التمسك بها والحفاظ عليها مبتعدين بها عن التغريب والتشويه.