حكاية مساجد الكويت القديمة... خصائص معمارية فريدة وأدوار لا يمكن إغفالها رغم عدم شهرتها

1 يناير 1970 05:59 ص
|القاهرة - من عبدالغني عبدالله|

خلال صيف 1986 بدأت في تجميع ملف كامل - فيما أعتقد - عن العمارة الدينية في الكويت قديما، يشمل العديد من المعلومات المعمارية والتاريخية والفنية، إضافة إلى الرسوم والصور عن المساجد القديمة في الكويت، والربط فيما بينها بعضها البعض، والمقارنة مع العناصر نفسها في بلاد الإسلام المختلفة، والتقى ذلك مع ما كلفت به من التعليق على موضوع المساجد القديمة في منطقة الخليج العربي، وشاهدت الفيلم الذي أعد عن هذه المساجد لمؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربي.

ولكن كل ما جمعته لم يرضني شخصيا، حتى كدت أصرف النظر تماما عن الموضوع، ثم لاحت لي فرصة فريدة عندما التقيت أحد المهتمين بالتراث الكويتي القديم، هو المهندس عبد الله عيسى الصالح، الذي عند لقائه انفتح أمامي باب كبير للتعرف على العمارة الدينية في الكويت قديما... بما لديه من معلومات وصور ورسوم واهتمام فريد من نوعه بالمساجد القديمة وعمارتها وزخارفها، حافظا عن ظهر قلب حركة بناء المساجد القديمة على وجه الخصوص.

والمساجد القديمة لم تكن مشهورة خارج الكويت، بالرغم من عناصرها المعمارية الفريدة، ولم أكن أجد لذلك سببا سوى عدم النشر عنها، وعدم إقدام أحد على دراستها أو التعليق عليها، بالرغم من عظمتها في أسلوب إشادتها ومواد بنائها، ولذا لم يتعرف البحاثة خارج الكويت العاملون في مجال تاريخ العمارة الإسلامية ونقاد الفنون... على خصائص هذه العمارة.

كانت لديَّ قضية أخرى... حيث كنت أجمع ما أنتجه الفنان الكويتي القدير... الفنان أيوب حسين، فهو بحق ذاكرة أمة... أو ذاكرة وطن أو أرشيف تراث الكويت.. فهو أفضل من يستطيع أن يؤرخ للعمارة والحياة في الكويت قديما عن طريق أعماله الفنية... ووجدت عند المهندس عبدالله عيسى الصالح أرشيفا حيًّا لأعمال ذلك الفنان أيوب حسين... انكببت عليها خوفا ووجلا من ألا أستطيع التعرف على ما تحويه من معلومات رائعة عن ذلك الماضي الرائع للعمارة الدينية في الكويت قديما.

ومن شديد الأسف أنني لم ألتق أيوب حسين، ولكنني تعرفت على ما أنتجته عبقريته... إضافة إلى الاطلاع على جهد فنان مصري كان يعمل بالكويت، هو الفنان محمد الحديدي... وأعماله كانت في متناول نظري... حيث إنه كان زميلا في وزارة التربية، وكانت أعماله تذاع في التلفزيون الكويتي باستمرار، ومنها كنا نتعرف على تلك الروائع المعمارية القديمة والحياة اليومية في الكويت قديما وأعمال الغوص... إنما المهم لديَّ كان هو أعمال أيوب حسين... وناقشناها مع بعض الصفوة التي كانت تتجمع في ذلك الملتقى الثقافي أسبوعيا لدار الآثار الإسلامية في مسرح عبد الله السالم، ورحلات الدار إلى تلك المناطق القديمة والتاريخية في الكويت.

كان أول المساجد في الكويت هو مسجد ابن بحر، وقد ورد في كثير من المراجع والمصادر، وهذا المسجد هدم وبني في مكانه بمنطقة المباركية مسجد حديث يحمل الاسم ذاته.. «ابن بحر».

وكانت مساجد الكويت قديما حول قصر السيف العامر بجوار البحر.. ثم امتدت عمارة الكويت - العاصمة - وانتشرت معها بطبيعة الحال عمارة المساجد إلى عمق البر، وتأسيسا على ذلك فقد نشأت نظرية تقول «إن أقدم المساجد هي التي بجوار البحر.. والأحدث هو ما ابتعد عنه».

المساجد القديمة في الكويت بنيت بوسائل وأساليب غاية في البساطة، وبالرغم من ذلك فإن إشادتها لم تخل من فن معماري له قواعده وأصوله، فالأسقف تجلس فوق حوائط حاملة، بنيت «الحوائط» من صخور خاصة جُلبت من على ساحل البحر، ومن أشهر مناطق جلبها منطقة عشيرج، وقام الكويتي بتكسيرها بطريقة يدوية خاصة، وبأشكال وأحكام مناسبة، ثم تحُمل إلى مكان البناء، حيث يتم بناء الحوائط من مداميك، وتلصق هذه الأحجار بعضها البعض بالطين المستخرج من الأرض والمعجون بالماء، وبمساعدة أعمدة من كتل ضخمة من خشب السنديان المجلوب من الهند.

وكان السقف يبنى على عدة خطوات، لاأعتقد أن الكثيرين يعرفون عنها شيئا.

أولا: من جسور من الخشب فوق الأعمدة والحوائط، لتشكل فيما بينها عقودا مسطحة مستقيمة، تقوم بدور الأقواس «عقود مسطحة» في العمارة العادية.

ثانيا: أعمدة خشبية اسطوانية طويلة «الجندل» ذات أقطار في حدود 15 سم، كانت في الغالب تجلب من أفريقيا.

ثالثا: تتعامد على هذه الجنادل أعداد أخرى تعرف باسم «الباسيجيل»، الذي هو عبارة عن وصلات من خشب البامبو.

رابعا: تفرش حصيرة المنجور «المنقور» على أعواد الباسيجيل لتغطي السقف كله.

خامسا: تغطية كل ذلك بالطين.. حيث يتم سد جميع الثغرات، ويراعى الميل ناحية الميزاب لتصريف مياه الأمطار.

وهنا يجب أن نلاحظ نظريتين مهمتين:

أ - إن أهل الكويت قد استخدموا خامات البيئة المحلية بقدر إمكانهم دون الحاجة لجلب المزيد منها.

ب - إن طريقة البناء كانت هي الطريقة المناسبة للتعامل مع ظروف المناخ السائدة في الكويت.

سادسا: تكسى الحوائط بعد ذلك من الداخل والخارج بالجص الأبيض، ومع بساطة البناء وبساطة عصره، فالمبنى لم يخل من بعض الزخارف البسيطة ولكنها كانت ذات معنى فني مهم، وأبرز مثال على ذلك نجده في مسجد السوق الكبير بالمباركية «منطقة السوق».


مسجد السوق الكبير

كان يقوم بمقام مسجد الدولة الرسمي قبل بناء المسجد الكبير الحالي.. حيث نجد على مداخله زخارف بسيطة في تكوينها بوحدات زخرفية ذات عناصر نباتية وهندسية وكتابية لم تخل من الجمال والفلسفة الفنية، بالرغم من أنها بسيطة، وهو يعرف بمسجد محمد حسين بن رزق، أحد أهم العمائر الأثرية الدينية في الكويت، أسسه المرحوم محمد بن حسين بن رزق العام 1209 هـ, وتم تجديده مرات عدة.

أولاها على يد المرحوم يوسف آل صقر العام 1255 هـ، والثانية قامت بها دائرة الأوقاف العام 1373هـ.. ويتضح ذلك من لوحة الإنشاء الرخامية المثبتة على مدخل المسجد، وتتميز زخارف مجموعة المنبر والمحراب في هذا المسجد بأنها عناصر زخرفية نباتية وهندسية وكتابية وعقود صغيرة وكوابيل وعمد رشيقة، وخصوصا على شرفة المنبر التي عملت من الجص المخرم وأكثر على شكل نجمي.

نعود إلى المهندس عبد الله عيسى الصالح الذي يعتبر من أشد الدعاة للمحافظة على التراث القديم مهما تكلفنا، وينذر نفسه لتسجيل تاريخ هذه المساجد وتفاصيلها المعمارية وصورها، ونرى أنه يسعى للاحتفاظ بالبقية الباقية من القديم، بالرغم من تلك الحداثة المعمارية المنطلقة بأقصى طاقاتها، وهو يشيد دائما بالعائلات القديمة ميسورة الحال التي كانت تبني تلك العمائر على نفقتها الخاصة، وليس بالغريب أن نجد أسماء المساجد وقد اشتهرت باسم الأسرة أو العائلة، وغالبا ما كان يتم تشييد هذه المساجد ضمن زمام سكن هذه الأسرة.. وكم تكلفت هذه الأسر من الأموال ومن الجهد.. حيث إنهم كانوا يعملون بأيديهم في البناء وحمل خاماته تقربا إلى الله سبحانه وتعالى وتبركا بتلك المساهمات المالية والعملية.


 العناصر المعمارية

كان المسجد يتكون من الحوش.. ينتهي بالليوان الذي هو عبارة عن ظلة تتقدم بيت الصلاة، والحوش هو اسم ساحة المسجد أو صحنه، وتبنى المئذنة في أحد جوانبه.

الخلوة: هي بيت الصلاة أو رواق القبلة، وهي حرم مغلق يضم المحراب له نوافذ متسعة للتهوية والإضاءة، مسدودة بعيدان الحديد لمنع أي فرد من العبور إلى المسجد أو منه من خلال هذه النوافذ، نجد ذلك في خلوة مسجد ابن خميس ومسجد ناهض.

المحراب: المحراب الكويتي القديم حنية في حائط القبلة أو فتحة مسدودة من الخلف، ما أعطى للمعماري الكويتي حرية كاملة في إضفاء السعة والعمق على المحراب.

القرو: ويقال «الجرو»، وهو الميضأة التي كانت تلحق بكل مسجد، وهو عبارة عن غرفة صغيرة ملحقة بالمسجد بها بئر ماء، مركبة فوق فوهته بكرة تتصل بدلو يستخدم في جلب الماء من البئر ليرفع إلى خزان علوي له فتحة صغيرة عند قاعدته لها سدادة خشبية تسمح بمرور الماء وتقوم بعمل الصنبور عند إزالتها.

دورة المياه: تلحق بالمسجد.

المخازن: هي غرف ملحقة بالمسجد «غالبا ما يكون القرو ودورة المياه والمخازن عند مدخل المسجد.. حتى يتمكن الفرد من التوضؤ والتطهر قبل الدخول».

المئـــذنة: كانت تبنى أول الأمر من الحجر والطين، وغالبا ما كان بدنها قصيرا نسبيا، إلا أن قِصرها هذا لم يؤثر على وجود العناصر المعمارية للمئذنة.. حيث يمكننا التمييز بين البدن والـــشرفة والقـــمة، إضـــافة إلى الدرج والجوسق وعناصر التهوية، والإنارة، ويمكن لنا أن نتعرف في الكويت على نوعين من المآذن من خلال رأس المئذنة وشكلها العام، مع تميزها بالبساطة والبعد عن التعقيدات المعمارية والزخرفية.

النوع الأول: بدن تغطية قبة مخروطية بقمة ذات زاوية علوية حادة وجوانب متسعة أشبه بالقمع، والرأي عندي أنها أخذت من النمط العثماني الذي تشكل قمته مثل قلم الرصاص المبري.

النوع الثاني: بدن يحمل قبة ذات قطاع نصف دائري أو بصلي على شكل الكمثرى المضلعة من الخارج في شكل فصوص طولية أو ملساء.

وفوق قبة المئذنة أيا كان نوعها يقف هلال معدني فوق عمود قصير مزين بأشكال كروية أو كمثرية.. علما بأن هذا الهلال كان يصنع محليا في الكويت.

وأمثلة على المآذن.. مئذنة مسجد سعيد - بدن قصير وشرفة داخلية ذات فتحة متسعة على الطريق العام، ويجلس فوق سطح المسجد، ومئذنة الخليفة تأخذ شكل الأسلوب الأيوبي في المآذن شرفة على هيئة المبخرة.

أما مئذنة مسجد ناهض فهي اسطوانية الشكل بزخارف بسيطة وشرفة مرتفعة وقبة مثل الخوذة.. وكثير من المآذن القديمة الأنيقة تزين سماء الكويت مثل مئذنة السرحان ومئذنة مسجد الخالد.


 دورها مستمر

المساجد القديمة لاتزال تؤدي دورها حتى الآن.. وهي عبارة عن عمائر رائعة تحمل عطر القديم وبهجته.. ولن أستطيع أن أقدم هذه المساجد بأسمائها الآن.. إذ إن آخر مراجعة لها مرت عليها فترة طويلة، إلا أن احتفاظي بصورها وأوصافها التي حصلت على معظمها مما كتب عنها في المراجع وما لدي من المهندس عبد الله عيسى الصالح ورسوم الفنان أيوب حسين والفنان محمد الحديدي.

بعض المساجد القديمة التي تقع داخل السور:

اسم المسجد: «محمد الجلاهمة» - الشهرة: ابن خميس - تاريخ التأسيس: 1186 هـ - الموقع: الشرق.

اسم المسجد: «بطي بطي الجلاهمة» - الشهرة: النصف - تاريخ التأسيس: 1190 هـ - الموقع: الشرق.

اسم المسجد: «مبارك» - الشهرة: مبارك - تاريخ التأسيس: «هدم» 1197 هـ - الموقع: وسط المدينة.

اسم المسجد: «صالح الحديثي» - الشهرة: الحداد - تاريخ التأسيس: 1190 هـ - الموقع: وسط المدينة.

اسم المسجد: «ياسين القناعي» - الشهرة: سرحان - تاريخ التأسيس: 1199 هـ - الموقع: وسط المدينة.

اسم المسجد: «محمد حسين رزق» - الشهرة: السوق الكبير- تاريخ التأسيس: 1209 هـ - الموقع: وسط المدينة.

اسم المسجد: «عبد الرازق» - الشهرة: السوق الكبير- تاريخ التأسيس: هدم 1212 هـ - - الموقع: وسط المدينة.

اسم المسجد: «حنيف النومان» - الشهرة: النومان- تاريخ التأسيس: 1222 هـ - الموقع: وسط المدينة.

اسم المسجد: «مرزوق البدر» - تاريخ التأسيس: 1225 هـ - الموقع: القبلة.

اسم المسجد: «خليفة بن دعيج» - الشهرة: الخليفة- تاريخ التأسيس: 1226 هـ - الموقع: وسط المدينة.

اسم المسجد: «يعقوب القائم» - الشهرة: الخالد- تاريخ التأسيس: 1235 هـ - الموقع: القبلة.

اسم المسجد: «ملكة الغانم» - الشهرة: القطامي- تاريخ التأسيس: 1250 هـ - الموقع: الشرق.

اسم المسجد: «محمد الحمدان» - الشهرة: حمدان- تاريخ التأسيس: 1260 هـ - الموقع: وسط المدينة.

وكما ترى، فكل هذه المساجد القديمة تقع في مدينة الكويت وأحيائها.. الأسماء كثيرة ومتعددة، وما ذكر، ذكر كمثال فقط، إنما هناك مساجد الناهض وبراك الدماك وهلال والمطوع وسعيد والمطران والساير.

تحية إلى هؤلاء الرجال العظام الذين بنوا هذه العمائر في زمنهم الصعب.. جلبوا صخر البحر وقاموا بتكسيره، ثم أشادوها لعبادة الله.. تحية إلى المهندس عبد الله عيسى الصالح بكل ما لديه من تواريخ ومعلومات عن هذه المساجد الرائعة.. وتحية للفنان أيوب حسين عن كل عمل أنتجته ريشته متحدثة عن عالم الكويت قديما، وأتمنى فيما لو تم حفظ هذه المعلومات وفهرستها لمقبل الأيام.



مئذنة مسجد السرحان