معارك في التاريخ / موقعة حطين

1 يناير 1970 07:11 م

في اواخر القرن الخامس الهجري الموافق الحادي عشر الميلادي استطاعت الحملات الصليبية التي قادها ملوك وامراء اوروبا ضد الشرق الاسلامي تحت «اسم الصليب» لتبرير اطماعهم في هذه البلاد وثرواتها، ان يستولوا على عدد من بلدان المشرق العربي وكانت غايتهم فلسطين لمكانتها الدينية ولا سيما حاضرتها القدس التي دخلوها في 23 شعبان سنة 492 هـ الموافق 15 يوليو 1099 وقد هزت هذه الهزيمة المسلمين في شتى بقاع الارض ومنذ ذلك الحين بدأ الاستعداد لبناء القوة القادرة على مواجهة هذا الخطر وتحرير الارض واسترجاع بيت المقدس اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين إلى حظيرة الاسلام وطبق المسلمون قول الله تعالى:

(واعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف اليكم وانتم لا تظلمون) الانفال 60 واستمر ذلك نحو قرن من الزمان وكان صلاح الدين الايوبي مؤسس الدولة الايوبية التي ضمت تحت جناحها مصر والشام هو القائد المحنك والسياسي المجرب الذي تحقق على يديه النصر في موقعة حطين التي جرت على ارض فلسطين في 17 ربيع الثاني 583 هـ الموافق 4 يوليو 1187م.

فبعد سنوات من الاعداد المنظم والحشد الاستراتيجي السياسي والعسكري الذي تولى القيام به صلاح الدين بنفسه ونجاحه في توحيد مصر وسورية ووضع قواتهما تحت قيادته الحكيمة قرر ان يضع حدا للجرائم التي ارتكبها امير الكرك المعروف بارناط ضد المسلمين وتعرضه المستمر لقوافل الحج الذاهبة إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة مخالفا بذلك ما كان بين المسلمين وبينه من اتفاقات للهدنة.

فوضع صلاح الدين خطة حربية محكمة واحسن اختيار الزمان والمكان المناسبين للمعركة المنتظرة فتقدمت الجيوش تحت قيادته من الشرق نحو فلسطين وبدأ بمحاصرة مدينة طبرية وهي مهمة بالنسبة للصليبيين ثم اسرع واستولى عليها واحاط بها من كل جانب واحكم قبضته على مصادر المياه في المنطقة كلها. عندئذ تجمعت جيوش الصليبيين وحاولت مهاجمته والتقدم لاسترجاع طبرية وهذا ما اراده منها صلاح الدين فقام على الفور بمحاصرتها في واد ضيق بين الجبال ومنعهم من الوصول إلى خزانات المياه وهي مادة حيوية في الحروب مثل النفط في عصرنا لا سيما ان المعركة دارت في فصل الصيف شديد الحرارة في هذه البقعة من فلسطين وبعد ان حاصرهم حصارا محكما وبلغ منهم الجهد مبلغه فتح لهم ثغرة ضيقة للاندفاع منها واستطاعت قواته ان تهجم عليهم من كل جانب ودارت معركة حامية بين الطرفين ورجحت كفة صلاح الدين الذي حقق النصر المبين على جيوش الصليبيين وكانت هزيمتهم في حطين بداية النهاية لاحتلالهم للشرق الاسلامي وتقدم صلاح الدين لتحرير بيت المقدس وظفر بذلك ودخلها في 26 رجب سنة 583 هـ الموافق اول اكتوبر سنة 1187م اي بعد نصر حطين بثلاثة اشهر فقط (4) ولما كان هذا النصر يبدو بعيدا في ظل ما كان يعاني منه المسلمون في ذلك الزمان من ضعف فقد وصفه نائب صلاح الدين عماد الدين الاصفهاني بقوله «افسحر هذا ام انتم لا تبصرون» (5)

وعلى عكس ما فعل الصليبيون عند احتلالهم للقدس وقيامهم بارتكاب مذابح ضد السكان دون تمييز بين المسلمين او النصارى الذين كانوا يعيشون جنبا إلى جنب قرونا عديدة تحت راية الحضارة الاسلامية والدين الاسلامي الحنيف فقد عفا صلاح الدين عن الاسرى من النساء والاطفال والشيوخ والعجزة وقدم لهم العون والمساعدة التي تبلغهم بلادهم لمن اراد العودة منهم وامن من رغب في البقاء يصف ذلك الشاعر ابو الفوارس سعد بن محمد فيقول:


ملكنا فكان العفو منا سجية

فلما ملكتم سال بالدم ابطح

وحللتم قتل الاسارى وطالما

غدونا على الاسرى نمن ونصفح

وحسبكم هذا التفاوت بيننا

وكل اناء بالذي فيه ينضح


وقال المؤرخ الانكليزي لين بول عن فتح بيت المقدس:

«لو لم يكن لصلاح الدين من الاعمال الثابتة الا اخذه بيت المقدس لكان ذلك كافيا لجعله اعظم الفاتحين في عصره واكبرهم قلبا بل لعله كان كذلك في اي عصر من العصور».