الكُتّاب الإلكتروني.... بديل الأزهر لـ «الكتاتيب القديمة»

1 يناير 1970 05:05 ص
|القاهرة - من حنان عبد الهادي|

انتشرت الكتاتيب الريفية التقليدية خلال العقود المنقضية في أنحاء قرى ومدن مصر، وخاصة الأحياء الريفية والشعبية منها... وكانت الوسيلة المثلى لحفظ القرآن الكريم حفظا متقنا، لا لحن فيه، ومن عباءتها تخرج عباقرة التلاوة، الذين عطُروا الكون بآيات الكتاب المجيد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، إضافة إلى تعلم اللغة العربية وآدابها ونصوصها الشعرية والأدبية.

وفي تلك الكتاتيب... حفظ القرآن الكريم «الكفيف والبصير والأمي والمتعلم»، وفيها تخرج القراء الأفذاذ «محمد رفعت وعلي محمود «كفيفان» وعبد الباسط محمد عبد الصمد ومحمد صديق المنشاوي ومحمود خليل الحصري ومصطفى إسماعيل ومحمود علي البنا»... وغيرهم كثير.

وقد منحت أصواتهم مصر الريادة... حتى وقت قريب في مجال دولة تلاوة القرآن الكريم... ولصاحب الجلالة العاهل السعودي الأسبق قول مأثور في ذلك إذ قال: «لقد نزل القرآن الكريم في مكة وطُبع في إسطنبول وقُرئ في مصر».

ولكن دوام الحال من المحال... فقد بدأت تلك الكتاتيب «التي هي في جوهرها منارات» في الاختفاء شيئا فشيئا إلا من قليل وتراجع الاهتمام إعلاميا وأدبيا بالقرآن الكريم وقرائه... وهو ما دفع مسؤولي الأزهر إلى اليقظة والسعي إلى الحفاظ على فكرة «الكتّاب» لأهميتها الكبرى في تخريج حفظة القرآن الكريم، بل وجاهدوا لتطويرها وألبسوها ثيابا عصرية تجاري مستحدثات التقنية... وابتُكر «الكتّاب الإلكتروني».

الأزهر... فطن إلى أهمية دور «الكتّاب» وابتكر... الكتّاب الإلكتروني... لتحفيظ القرآن الكريم لتلاميذ المرحلة الابتدائية ولا سيما تلاميذ الصف الأول الابتدائي داخل المعاهد الأزهرية بمحافظة القاهرة ومحافظة سوهاج «جنوب صعيد مصر»... كمرحلة أولى... وقد أثمرت نتائج إيجابية ومتميزة.

صاحب فكرة مشروع الكتاب الإلكتروني ورئيس الإدارة المركزية لمكتبة الأزهر مهدي هادي شلتوت... قال في تصريحات خاصة لـ «الراي»: كانت هناك تجربة سبقت هذا المشروع وهي تجربة استخدام أجهزة التسجيل «الكاسيت» والشرائط بصوت الشيخ أحمد المعصراوي، وكانت الفكرة تهدف إلى مساعدة محفظي القرآن الكريم على النطق والحفظ السليم للأطفال خاصة في المرحلة الابتدائية.

وأضاف: فضيلة شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي أولاها اهتمامه... لأنه يردد دائما «ليس أزهريا من لم يحفظ القرآن»، وتم تسجيل «جزء عم» على شرائط كاسيت وكان المحفظ يحمل الشريط معه داخل الفصل كوسيلة تعليمية، ولكن كانت هناك شكوى تتمثل في أن الشرائط سريعة التلف وغير دقيقة عند إعادة كلمة أو آية معينة.

وقال: بحثنا عن فكرة أكثر تطورا... فتوصلنا إلى فكرة «الكتّاب الإلكتروني لتحفيظ القرآن الكريم لطلبة الصف الأول الابتدائي... وعرضتها على فضيلة شيخ الأزهر، وأعدت الإدارة العامة للكمبيوتر التعليمي لقطاع المعاهد الأزهرية برنامجا لتحفيظ القرآن باستخدام «برنامج كمبيوتر».

 وتم وتصميم البرنامج عن طريق العاملين بالإدارة وبالمجهود الذاتي... حيث قمنا بتحويل شريط الكاسيت إلى أسطوانة خاصة لتحفيظ القرآن لطلاب الصف الأول الابتدائي... «جزء عم»... بحيث يكون استخدام الكمبيوتر وسيلة تعليمية مشوّقة للطالب ويستفيد منها المحفّظ في تحسين أدائه، ويحفظ الطالب بطريقة سهلة وواضحة ومشوقة في نفس الوقت.

لا سيما وأن البرنامج بصوت الدكتور أحمد عيسى المعصراوي... رئيس لجنة المصاحف بالأزهر الشريف لنقاء صوته وجودة أدائه، واختياره جاء بناء على ترشيح الدكتور طنطاوي وأوضح أن البرنامج يتميز بسهولة الحفظ والتشغيل والإعادة للآية في عدد غير محدود من المرات، ليتم الحفظ بشكل سليم.

وكشف الشيخ مهدي شلتوت أن الأسطوانة لم تُطرح تجاريا في السوق... وهي خاصة بطلاب المعاهد التعليمية، وتختلف الأسطوانة الجديدة عن المدمجة المطروحة للبيع بالأسواق... فتلك الأسطوانة التعليمية يستخدمها المحفّظ والطالب وفق نظام معين، حيث يقوم المحفّظ بتشغيل البرنامج ويقسم الفصل إلى صفوف أحدها يقرأ، والآخر يستمع، ثم العكس وتتكرر هذه الأمور بشكل لا نهائي، وذلك يجعل الطالب يستمع إلى مخارج القرآن بشكل سليم، ويتمكن المحفظ من تدارك الأخطاء اللغوية.

مشيرا... إلى أنه تم تنفيذ التجربة في معهد فتيات في المنطقة السادسة بمدينة نصر «شرق القاهرة» وكانت التجربة تمضي تحت متابعة من شيخ الأزهر... كما تقرر تنفيذها في أكثر من معهد ابتدائي في منطقة القاهرة والمعاهد العادية أو النموذجية، وبعد نجاح التجربة ستتم طباعة الأسطوانات بمعرفة الإدارة العامة للكمبيوتر وتوزيعها على جميع المعاهد الابتدائية بالقاهرة، حيث تم توفير جهاز كمبيوتر مخصص فقط للتحفيظ مع تخصيص مكان محدد في المعهد للتحفيظ، وهذا هو «الكتّاب» لدرجة أن بعض المعاهد نظرا لضيق الفصول بها وضعت جهاز الكمبيوتر في مسجد المدرسة حيث يجلس الطلاب على الأرض والمحفظ مثل «الكُتّاب» بالفعل.

وتابع: تم تدريب محفظي القرآن من قبل الإدارة العامة للكمبيوتر التعليمي على كيفية استخدام الكمبيوتر، وتم تدريب جميع من يجيدون تحفيظ القرآن في الصف الأول الابتدائي.

كما تم تدريب موجهي القرآن الكريم في منطقة القاهرة... على استخدام الكمبيوتر وعلى البرنامج حتى يتاح لهم متابعة مدرسي القرآن والمحفظين بشكل علمي صحيح، ولو قدر للمشروع الاستمرار حسب الخطة الموضوعة للإدارة العامة للكمبيوتر فإنه سيؤتي بثمار جيدة في تعليم القرآن وسيفرز بُلغاء في حفظ كتاب الله.

المسؤول عن إدارة الكمبيوتر التعليمي بقطاع المعاهد الأزهرية محمود سعيد... قال لـ «الراي»: إنه تم تدريب جميع محفظي القرآن الكريم للصف الأول الابتدائي بمنطقة القاهرة الأزهرية... وشمل التدريب 208 مدرسين ومحفظين وتدريب 75 مدرس حاسب آلي بالمعاهد الابتدائية الأزهرية على تقديم الدعم الفني لتشغيل النظام والأجهزة.

مؤكدا... أن أهم ما يميز برنامج تحفيظ القرآن الإلكتروني هو سرعة تعلمه وسهولة استخدامه وطريقة التدريس الخاصة به... والبرنامج يتميز بأنه بصوت الشيخ الدكتور أحمد عيسى المعصراوي... رئيس لجنة المصاحف بالأزهر الشريف وقد رشحه فضيلة الإمام الأكبر لنقاء صوته ووضوحه ولأنه الأنسب من حيث الوقفات.