فضل سورة الفاتحة (2)

1 يناير 1970 01:31 م
| محمد عبدالله |

هذه السورة لها مميزات تتميز بها عن غيرها، منها أنها ركن في الصلوات التي هي أفضل أركان الإسلام بعد الشهادتين فلا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، ومنها أنها رقية إذا قرئ بها على المريض شفي بإذن الله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للذي قرأ على اللديغ فبرئ: «وما يدريك أنها رقية؟». رواه البخاري ومسلم.

وقال العلامة برهان الدين البقاعي في نظم الدرر (1/12):

وقد ظهر في علم هذا الكتاب ان اسم كل سورة مترجم عن مقصودها، لأن اسم كل شيء تظهر المناسبة بينه وبين مسماه وعنوانه الدال اجمالاً على تفصيل ما فيه، وذلك هو الذي أنبأ به آدم عليه السلام عند العرض على الملائكة عليهم الصلاة والسلام ومقصود كل سورة هاد الى تناسبها، فالفاتحة اسمها «أم الكتاب» و«الرقية» و«الحمد» و«الشكر» و«الدعاء» و«الصلاة»، فمدار هذه الأسماء كما ترى على أمر خفي كاف لكل مراد وهو المراقبة، وهي أم كل خير، وأساس كل معروف ولا يعتد بها إلا إذا ثنيت فكانت دائمة التكرار، وهي كنز لكل شيء شافية لكل داء، كافية لكل هم وافية بكل مرام، واقية من كل سوء، وهي اثبات للحمد الذي هو الإحاطة بصفات الكمال، وللشكر الذي هو تعظيم المنعم، وهي عين الدعاء فإنه التوجه الى المدعو، وأعظم مجامعها الصلاة.

إذا تقرر ذلك فالغرض الذي سيقت له الفاتحة هو اثبات استحقاق الله تعالى لجميع المحامد وصفات الكمال واختصاصه بملك الدنيا والآخرة، وباستحقاق العبادة والاستعانة بالسؤال في التزام الصراط الفائزين والإنقاذ من طريق الهالكين مختصاً بذلك كله، ومدار ذلك كله مراقبة العباد ربهم، لإفراده بالعبادة فهو مقصود الفاتحة بالذات وغيره وسائل اليه.

وقال ابن القيم عليه رحمة الله في مدارج السالكين (1/25):

اعلم أن هذه السورة اشتملت على أمهات  - المطالب العالية أتم اشتمال، وتضمنتها أكمل تضمن، فاشتملت على التعريف بالمعبود - تبارك وتعالى - بثلاثة أسماء، مرجع الأسماء الحسنى والصفات العليا إليها، ومدارها عليها وهي (الله والرب والرحمن)، وبنيت السورة على الإلهية والربوبية والرحمة، فـ (إياك نعبد) مبني على الإلهية، و(إياك نستعين) على الربوبية، وطلب الهداية الى صراطه المستقيم بصفة الرحمة، والحمد يتضمن الأمور الثلاثة، فهو المحمود في إلهيته وربوبيته ورحمته، والثناء والحمد كمالان لحمده، وتضمنت اثبات المعاد، وجزاء العباد بأعمالهم حسنها وسيئها وتفرد الرب تعالى بالحكم إذ ذاك بين الخلائق، وكون حكمه بالعدل وكل هذا تحت قوله: (مالك يوم الدين).

وتضمنت إثبات النبوات من جهات عديدة:

أولها: كونه رب العالمين، فلا يليق به أن يترك عباده سدى هملا، لا يعرفهم ما ينفعهم في معاشهم ومعادهم وما يضرهم فيهما، فهذا هضم للربوبية ونسبة الرب تعالى الى ما لا يليق به، وما قدره حق قدره من نسبه اليه.

الثاني: أخذها من اسم «الله» وهو المألوه المعبود، ولا سبيل للعباد الى معرفة عبادته إلا من طريق رسله.