خطوات عشر تفصل الاستخبارات الأميركية عن النجاح

1 يناير 1970 01:25 ص
| إبراهيم غالي |

دفعت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 بالولايات المتحدة نحو توجيه مزيد من الاهتمام بالقطاع الاستخباراتي، وذلك بسبب الفشل الذي منيت به أجهزة الاستخبارات في كشف تلك الهجمات، ناهيك عن فضائحها في ما يخص قضية أسلحة الدمار الشامل العراقية. ومنذ ذلك الوقت أصبح للكونغرس الأميركي دور أكبر في استصدار التشريعات اللازمة لتحسين الأداء الاستخباراتي بالتعاون مع البيت الأبيض والسلطة التنفيذية ومحاولة تنسيق الجهود بين الوكالات الاستخباراتية المختلفة لمواجهة التهديدات المحتملة. وكان قانون الاصلاح الاستخباراتي الذي أصدره الكونغرس في ديسمبر عام 2004 من أهم الخطوات التي تعيد تنظيم وهيكلة المجتمع الاستخباراتي الأميركي للمرة الأولى منذ استصدار قانون الأمن الوطني في عام 1947.

بيد أن هناك عدداً من القضايا الجوهرية لا تزال محل اهتمام ومناقشة من الكونغرس الحالي أبرزها: العمل على تنسيق الجهود بين مدير الاستخبارات القومية وبين وكالات الاستخبارات التابعة لوزارة الدفاع وبينه وبين مدير وكالة الاستخبارات المركزية بعد أن أخذ مدير الاستخبارات القومية سلطات ادارية ومالية لتنسيق الجهود التنظيمية مع الوكالات الأخرى، خصوصاً في ما يتعلق بمكافحة الارهاب الدولي وحماية الأمن الداخلي، وضرورة استمرار الدعم الاستخباراتي للعمليات العسكرية، اذ يتطلب ذلك الاستخدام الأمثل للضوابط والمعايير التي تضمن الدقة ووجود المعلومات وتحليلها في الوقت المستهدف، وضرورة اشراك أشخاص مؤهلين لجمع وتحليل البيانات الاستخباراتية باستخدام تكنولوجيات فائقة، وأخيراً ضرورة التنسيق بين وكالات الاستخبارات الخارجية وبين وكالات تطبيق القانون الداخلية من أجل تعميق الجهود المشتركة لمواجهة الارهاب.

هذه القضايا وغيرها كانت محل اهتمام الدراسة التي أصدرتها مؤسسة «خدمة أبحاث الكونغرس» في أكتوبر 2007 وأعدها ريتشارد بيست، الخبير في مجالي الأمن القومي والشؤون الخارجية الأميركية، تحت عنوان: «قضايا استخباراتية أمام الكونغرس».

 

حزمة تشريعات استخباراتية

تشير الدراسة الى الخطوات التي اتخذها الكونغرس في مجال تعزيز الأداء الاستخباراتي، والتي كان آخرها تمرير مجلس الشيوخ للميزانية الاستخباراتية لعام 2008 في 3 أكتوبر 2007 بعد أن كان وافق عليها مجلس النواب في 11 مايو 2007، اذ ربط المجلس بين اقرار الميزانية وبين كل من تنسيق الجهود بين مدير الاستخبارات القومية وبين الوكالات التي تعمل تحت اشراف وزارة الدفاع، وضرورة وجود منصب «مراقب عام للمجتمع الاستخبارتي» يقدم تقارير للكونغرس عن التقدم في مجال تنسيق الجهود بين الوكالات المختلفة.

وكان الكونغرس قد أصدر أخيراً قانونين لم يجدا بعد التنفيذ المضبوط، أولهما: تنفيذ توصيات لجنة 11/9 لعام 2007، والتي استهدفت تعزيز قدرات وزارة الأمن القومي وتنسيق جهودها مع وكالات الاستخبارات الخارجية. وثانيهما: قانون حماية أميركا الصادر في 5 أغسطس الماضي، والذي أدخل عدداً من التعديلات على قانون مراقبة الاستخبارات الخارجية، ويسري حتى يوم 31 يناير 2008، ويتعلق بتحديد المعايير والضوابط والاجراءات القانونية المتخذة للرقابة الالكترونية على اتصالات أشخاص أميركيين في الداخل والخارج قد يكونون على ارتباط بتنظيمات ارهابية.

 برامج تحسين الأداء الاستخباراتي

بناء على ما سبق، يتوقع المراقبون أن تمتد مناقشة قضايا الاصلاح الاستخباراتي الى الكونغرس الحالي، وأن يتم التركيز على مناقشة عشر قضايا أساسية، هي:

-1 جودة التحليل الاستخباراتي، اذ تبقى قضية انتشار أسلحة الدمار الشامل واحدة من كبرى الاعتبارات التي تشكل السياسة الأميركية حالياً. وبسبب الفشل الاستخباراتي على أسلحة الدمار الشامل العراقية، كما أقرته لجنتا الاستخبارات بمجلسي الكونغرس، فان ذلك سوف يترك تأثيره على تقييم البرامج النووية في كل من كوريا الشمالية وايران، وهو ما يستلزم جودة العمل الاستخباراتي والتحليلي لنظم معلومات معقدة في مناطق لا تتمتع أميركا فيها بوجود كبير. وبالتالي سوف تكون هذه القضية محل اهتمام اللجان الاستخباراتية بالكونغرس.

2 - تطبيق قانون الاصلاح الاستخباراتي، ويعد هذا القانون أحد الأمور المؤثرة في عمل المجتمع الاستخباراتي. ويتطلب الأمر تفعيل التشريعات كي يمارس مدير الاستخبارات القومية اختصاصاته في تنسيق جهود جمع وتحليل المعلومات بين الوكالات والأجهزة المختلفة وتحسين ادارة مركز الاستخبارات القومي؛ والذي يضم المركز التكاملي للتهديد الارهابي والمركز الوطني لمقاومة الارهاب، ومنع التداخل وازدواجية العمل بين جهود الاستخبارات الداخلية وتكامل عملها مع الوكالات الأخرى، خصوصاً المرتبطة بوزارة الدفاع.

وسوف يقوم الكونغرس أيضاً بمراجعات للتأكد من حيادية المحلل الاستخباراتي ومنع تسييس عمله وضمان حماية الحريات الليبرالية لدى اتخاذ اجراءات لمكافحة الارهاب، كما سيناقش مشكلات نقص المحللين المؤهلين القادرين على التعامل مع اللغات الأجنبية بمهارة.

-3 برامج استخبارات المراقبة والاستكشاف، فرغم الدعم المقدم لفئة الاستخبارات الانذارية والاستكشافية ومناقشة وضعيتها في الملاحق التصنيفية للسلطات الاستخباراتية وقوانين الاختصاصات الدفاعية وتوفير جزء معتبر لها في ميزانية الاستخبارات، فان جهود دعم عمل الأقمار الاصطناعية وسائر أدوات الاستخبارات الانذارية سوف تحتل أولوية في الكونغرس الحالي نظرا الى تكلفتها المرتفعة واستخدامها لتكنولوجيات معقدة.

4 - برنامج مراقبة الارهابيين، اذ انه في ديسمبر 2007 انتقدت وسائل الاعلام المختلفة برنامج الرقابة الالكترونية الذي تتبعه وكالة الاستخبارات القومية وقانون مراقبة الاستخبارات الخارجية، لأنه لم يتم العمل بالكثير من التوصيات والضوابط التي تم التوصل اليها في مارس 2006 بين لجنتي الاستخبارات بمجلسي الكونغرس والقيادات الاستخباراتية، والخاصة بمعايير تحكم التنصت على أفراد أميركيين في الداخل والخارج يشتبه في صلاتهم بتنظيمات ارهابية. وفي يناير 2007 وافقت الادارة على أن تخضع الرقابة الالكترونية للارهابيين لموافقة محكمة مراقبة الاستخبارات الخارجية، وأنها لن تطلب سلطات اضافية مستقبلية فيما يتعلق بالمراقبة. وبالفعل صدر قانون حماية أميركا في 5 أغسطس 2007 والذي عدل قانون مراقبة الاستخبارات الخارجية الذي أجازه الكونغرس عام 1978، وأجاز القيام بالرقابة طبقاً لموافقة مدير الاستخبارات القومية والنائب العام لمدة عام واحد، غير أن الادارة تريد موافقة الكونغرس للقيام بالرقابة من دون الحصول على اذن من المحكمة أو مراقبة المحكمة لها، وهو أمر محل نقاش ساخن داخل الكونغرس الآن، خصوصاً في ضوء الاعداد حاليا لمشروع قانون جديد يعرف باسم «قانون احياء النظام» تشترك في تجهيز بنوده اللجان الاستخباراتية والقضائية بمجلسي الكونغرس، اذ يسعى الى وضع معايير وضوابط ومحددات قانونية لاجازة الرقابة بمختلف أنواعها على ما يشتبه في أنهم ارهابيون أو على صلة بهم أو يسهلون عملهم في الداخل أو الخارج.

-5 دور وكالة الاستخبارات المركزية، اذ أدخل قانون الاصلاح الاستخباراتي في عام 2004 تعديلات واسعة على طبيعة هيكل المجتمع الاستخباراتي وعدل في مسؤوليات واختصاصات مدير الوكالة المركزية، بحيث لم يصبح هو الشخص المسؤول عن تقديم التقارير الاستخباراتية اليومية الى البيت الأبيض، بل لتعزيز فئة الاستخبارات البشرية والرقابة على أنشطة الخدمات السرية الوطنية وتنسيق الجهود مع الوكالات الأخرى وممارسة صلاحية تحليل كافة الأمور المرتبطة بالقضايا الدولية التي هي محل اهتمام الكونغرس والحكومة الأميركية.

على أن الكونغرس سوف يناقش سبل دعم جهود التنسيق بين مدير الوكالة المركزية ومدير الاستخبارات القومية للوصول الى أفضل الطرق لجمع وتحليل المعلومات والأنشطة المرتبطة بالبشر ودعم عملية التحليل المعلوماتي للتقارير الموسمية، وبالتالي سوف تناقش سبل دعم مدير الوكالة المركزية في هذه الأنشطة أكثر من غيرها.

6 - دور مكتب التحقيقات الفيديرالي. لقد تعرض هذا المكتب لانتقادات عدة في وسائل الاعلام لفشله في التنبيه للتهديد الارهابي الذي يهدد أميركا وفي خطأ جمع وتحليل المعلومات الاستراتيجية والاستخباراتية وعدم مشاركته الوكالات الأخرى، بل وضعف التنسيق بين عناصره ذاتها. وقد قام روبرت موليير مدير المكتب سريعاً بادخال بعض الاصلاحات لخلق احترافية استخباراتية عالية في مؤسسة كانت غالبا ما تركز فقط على قضايا داخلية وتنفذ القانون. ويرى الكونغرس ضرورة تفعيل دور المكتب وادخال اصلاحات اضافية داخله وامداده بتكنولوجيات عالية للمعلومات، وهو ما يحتمل أن يناقشه الكونغرس قريباً.

7 - دور الوكالات الاستخباراتية العاملة تحت مظلة وزير الدفاع، اذ وضع قانون اختصاصات الدفاع لعام 2003 الوكالات الاستخباراتية العاملة تحت مظلة وزير الدفاع، وحاول منع نشوب صدام بينها وبين وكالة الاستخبارات المركزية في ما يتعلق بجمع معلومات بشرية والعمل على تعزيز التنسيق المشترك بينهما. لكن العديد من التقارير تتحدث عن صراعات قائمة بينهما وتداخل في نمط الوظائف والمهام حتى أن مدير الاستخبارات الجوية الجنرال جيمس كلابير الذي تولى هذا المنصب أواخر عام 2006 قد تولى سابقاً منصب مدير كل من وكالة الأمن القومي والوكالة الوطنية للاستخبارات التصويرية والمسح الجغرافي، وهي مناصب متباينة في هيكليتها داخل المجتمع الاستخباراتي. ولهذا سوف يناقش الكونغرس سبل تعزيز التعاون بين مدير الوكالة المركزية وبين مدير الوكالات الاستخباراتية التي تعمل بوزارة الدفاع.

-8 العمليات العسكرية والمعلومات البشرية المتعلقة بالدفاع. لقد تبين في الحملتين العسكريتين في أفغانستان والعراق أن وكالة الاستخبارات المركزية أعدت معلوماتها في انفصال تام عن القوات المتخصصة ووزارة الدفاع، ولاحظ المراقبون ولجنة 11/9 أن وزارة الدفاع حاولت تجنيب نفسها الأمر وعبرت عن امتعاضها لهذا الازدواج الوظيفي، كما أكدت التقارير الاعلامية سوء التنسيق بين الطرفين في الاعداد للعمل العسكري. وبالتالي فقد عبر كذلك مسؤولو الاستخبارات أمام الكونغرس عن رغبتهم تجنب الازدواجية في التخطيط والتنفيذ لمثل هذه العمليات العسكرية وشبه العسكرية والعمليات السرية، ولا تزال هذه القضية محل اعتبار ونظر أمام الكونغرس الحالي.

-9 الاعتبارات الاقليمية. رغم الأولوية القصوى لمهمة مواجهة التهديدات الارهابية، الا أن المجتمع الاستخباراتي يظل مسؤولاً كذلك عن متابعة القضايا التقليدية للأمن القومي، بما تشمله من متابعة التطورات الراهنة في الصين وكوريا الشمالية وايران وأميركا الجنوبية. وتجدر الاشارة الى أن مدير الاستخبارات القومي السابق جون نغروبونتي قدم في فبراير 2006 ويناير 2007 في جلسة استماع بالكونغرس تقييم المجتمع الاستخباراتي لهذا العمل والتهديدات والتحديات التي تواجه أميركا في العالم.

-10 وكالة الاستخبارات المركزية والادعاء على الأشخاص. تحدثت التقارير الاعلامية عن غياب الأفراد والادعاء عليهم والحبس من دون اتهام في سجون العراق من خلال مسؤولي وكالة الاستخبارات المركزية، وهو ما أدى الى دخول الكونغرس على الخط ومحاولة الرقابة على هذه الأمور وعلى دور الوكالات الاستخباراتية في القبض على وترحيل المتهمين الى مناطق أخرى، وسوف تبقى هذه القضية محل نظر أمام الكونغرس الحالي لارتباطها بشؤون ترتبط بحقوق الانسان وصورة أميركا في الخارج.




* عن «تقرير واشنطن»