نساء في التاريخ / العاقلة الفاضلة... صفية بنت حيي بن أخطب

1 يناير 1970 12:11 ص
يعقوب العوضي

صفية بنت حي بن اخطب بن سعيد، من بني النضير من ولد هارون بن عمران اخي موسى بن عمران عليهما السلام وهو، عمران بن يصهر بن قاهات بن لاوى بن رسول الله يعقوب عليه السلام بن رسول الله اسحق بن رسول الله ابراهيم عليه السلام، دخل الرسول الكريم يوما على صفية رضي الله عنها وهي تبكي فقال ما يبكيك؟ فقالت: قالت لي حفصة اني بنت يهودي فقال الرسول الكريم انك لبنت نبي وان عمك لنبي وانك لتحت نبي فبم تفخر عليك؟ وصفية بشهادة الرسول الكريم انها سليلة الانبياء. لقد هاجر الرسول الكريم إلى المدينة المنورة ودخلها يوم الاثنين في الثاني عشر من ربيع الاول في السنة الثالثة عشرة من البعثة النبوية حيث استقر فيها وبنى المسجد النبوي وآخى بين المهاجرين والانصار، وكان اليهود في المدينة يتكونون من ثلاث قبائل بنو قينقاع وبنو النضر بنو قريظة وقد اسلم حبر اليهود الاعظم عبدالله بن سلام وكانت صفية قبل زواجها من الرسول الكريم زوجة سلام بن مشكم ثم تزوجها كنانة بن ابي الحقيق وهو شاعر وقتل يوم خيبر في وقعة الخندق وقد دخل المسلمون القرية «الخندق» فكبر الرسول الكريم ثلاثا وقال «الله اكبر فتحت خيبر، انا اذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» وقد دخل جيش المسلمين فأصاب غنما كثيرا وجمع من السبايا وكانت صفية بنت حيي من ضمن تلك السبايا فطلب دحية الكلبي من الرسول الكريم جارية فقال له «اذهب وخذ جارية» فأخذ صفية بنت حيي بن اخطب. فجاء رجل إلى النبي الكريم وقال «يا نبي الله اعطيت دحية صفية بنت اخطب وهي سيدة قريظة وهي لا تصلح إلا لك فقال الرسول ادعوه بها» فجاء بها فنظر اليها وقال «خذ جارية من السبي غيرها» فاعتقها النبي الكريم ومن ثم تزوجها وقد اولم لزواجها التمر والاقط والسمن فشبع الناس، وقالوا لا ندري اتزوجها ام اتخذها ام ولد، فإن حجبها فهي امرأته وان لم يحجبها فهي ام ولد. فلما اراد ان يركب حجبها فقعدت على عجز البعير، فعرفوا انه قد تزوجها. وكان قد دفع بها لأم سليم لتهيئتها وتعتد في بيتها. وخرج الرسول من خيبر ولم يدخل بها. وقد مشطتها وجملتها أم سليم ابنة ملحان أم انس بن مالك، فبات الرسول الكريم في قبة له. وكان ابو ايوب خالد بن زيد اخو بني النجار حاملا سيفه، يحرس رسول الله ويطوف بالقبة، حتى اصبح الرسول ورأى ابو ايوب فسأله عن مكانه، فقال خفت يا رسول الله عليك من هذه المرأة، وكانت امرأة قد قتلت زوجها واباها وقومها وكانت حديثة عهد بكفر فخفت عليك منها، فقال الرسول الكريم «اللهم احفظ ابا ايوب كم بات يحفظني، ولما بلغ الركب المدينة، تسامعت نساء الانصار، بصفية فجئن ينظرن إلى جمالها ولم تسلم صفية من غيرة زوجات الرسول الكريم فقد لمح الرسول زوجته عائشة تخرج متخفية على حذر فتتبع خطواتها من بعيد حتى رآها تدخل بيت حارثة بن النعمان، وانتظر عليه الصلاة السلام حتى خرجت، فأدركها واخذ يسألها كيف «رأيت يا شقيراء، فأجفلت عائشة فهاجت غيرتها ثم هزت كتفيها وهي تجيب: رأيت يهودية فرد عليها الرسول: لا تقولي ذلك: فإنها اسلمت وحسن اسلامها. وعندما ألم الوجع الذي توفى فيه الرسول الكريم اجتمع اليه نساؤه فقالت صفية بنت حيي: أما والله يا نبي الله لو وددت ان الذي ألم بك بي، فغمرنها ازواج النبي صلى الله عليه وسلم وقد ابصرهن الرسول الكريم فقال: تمضمضن «فقلن من اي شيء يا نبي الله قال عليه  الصلاة السلام «من تغامزكن بصاحبتكن، والله انها صدقة».

وكانت صفية عاقلة فاضلة، ولها جارية ذهبت إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقالت له ان صفية تحب السبت وتصل اليهود، فبعث اليها عمر فسألها فقالت: اما السبت فأنا لم احبه منذ ابدلني الله به يوم الجمعة واما اليهود، فإن لي رحما وانا اصلها، وقد قالت للجارية بعد ذلك: ما حملك على ما صنعت قالت: الشيطان قالت «اذهبي فأنت حرة، وكانت صفية رضي الله عنها طاهرة عفيفة ذات حسب وجمال ودين وقد روي عنها من الاحاديث عشرة ومن حدث عنها اسحاق بن الحارث وكنانة مولاها ومسلم بن صفوان. فقد روي ان الرسول الكريم حج بنسائه. وفي الطريق برك جمل صفية فبكت، وجاء الرسول الكريم لما اخبروه فجعل يمسح دموعها بيده وهي تبكي، وهو ينهاها، فنزل الرسول الكريم بالناس. وعند الرواح قال «لزينب بنت جحش، افقري اخوتك جملا، اي اعيريها للركوب، فقالت زينب انا افقر يهوديتك، فغضب الرسول الكريم، فلم يكلمها حتى رجع إلى المدينة ولم يقسم لها ليلة مدة محرم وصفر ويئست منه، حتى جاء الربيع الأول فدخل عليها، فلما رأته قالت «يا رسول الله ما اصنع؟ وكان الرسول الكريم قد صفح عنها، ودخل بيتها ومشى إلى سريرها وكان مرفوعا، فوضعه بيده ورضى عن اهله، وكان الرسول الكريم يحسن معاشرته إلى أم المؤمنين صفية رضي الله عنها، وكان يلاطفها ويزيل الهم عنها، ويؤنسها في غربتها وهي الزاهدة التقية الورعة ويروي عنها عبدالله بن عبيدة، قال: ان نفرا اجتمعوا فذكروا الله وتلو القرآن وسجدوا، فنادتهم صفية وقالت هذا السجود وتلاوة القرآن، فأين... البكاء؟ وكانت تقصد بذلك الخشوع لله.

ولقد عاشت السيدة صفية رضي الله عنها فترة من الزمن شهدت خلافة ابي بكر الصديق رضي الله عنه وخلافة الفاروق عمر بن الخطاب وخلافة عثمان بن عفان رضي الله عنهما وخلافة على بن ابي طالب رضي الله عنه حتى عهد معاوية بن ابي سفيان، وعندما احست بدنو اجلها، اوصت بثلث مالها لأخيها وكان ثلاثين الف درهم، وفي سنة خمسين للهجرة اسلمت صفية الروح لباريها ودفنت في البقيع، ورجعت النفس إلى ربها تعالى راضية مرضية، رحم الله صفية بنت حيي بن اخطب وسلام عليها في حضرة المصطفى في جنات النعيم.




يعقوب العوضي