| الدكتور ربيعة بن صباح الكواري |
أمر غريب ما يحدث للثورة في مصر اليوم، اذ كيف يصمت «العسكر» على حكم «مبارك» لثلاثة عقود وبعد كل ذلك يقوم بخلعه بعد مكوثه في حكم فاسد وظالم للشعب المصري دون ان يحرك الجيش ساكنا تجاه ذلك بالرغم ان مبارك لم يأتٍ عن طريق الانتخابات الحرة بل عن طريق التزوير. ثم ياتي هذا الجيش بعزل الرئيس الثاني المنتخب انتخابا حرا نزيها أمام الرأي العام العالمي وبدون أية مقدمات، بل وبمسرحية باتت فصولها ملعوبة بتعيين رئيس «مؤقت». وعلى ضوء ذلك نددت دول العالم بقرار «الجيش» التعسفي بعزل الرئيس المنتخب تحت غطاء تلبية نداء التظاهرات التي تطالب برحيل الرئيس، وهو ما سيفسح المجال لعزل أي رئيس قادم!!
كانت الولايات المتحدة الاميركية بجانب تركيا والمانيا وبريطانيا والكثير من الدول الأكثر تعليقا على ما حدث في مصر بعد قرار عزل الرئيس محمد مرسي من حكم مصر، لانه الرئيس الشرعي والمنتخب انتخابا حرا ورشحته صناديق الاقتراع ومن هنا فلا يجب ان يكون قرار العسكر التعسفي قرارا جاريا مع المطالبة بعودة مرسي كما كان، لانه تعدى على الشرعية وعلى الديموقراطية، والا ستصبح مصرعلى كف عفريت.
السؤال المطروح :
ان الجيش ليس من حقه التصرف بهذه الطريقة، لأن المطلوب منه حفظ الأمن ورفض اي اعمال عنف او فوضى فقط، ولكنه يبدو بعد عزل الرئيس المنتخب وصاحب الشرعية سيدخل مصر في نفق مظلم لا نهاية له، بل ستزيد الفوضى أكثر من اي وقت مضى وهذا ما هو واضح في المشهد السياسي اليوم. الجيش صمت ثلاثين سنة على حكم « مبارك « ولم يتحرك لمحاسبته وتحقيق ارادة الشعب الا بعد فوات الاوان، وكان محكوما بالحديد والنار في ظل ذلك الرئيس، بينما نجده بعد مرور سنة واحدة يعزل اول رئيس مصري منتخب. فلماذا سكت الجيش دهرا ونطق زورا؟؟. لقد بات في حكم المؤكد ان الثورة المصرية التي انطلقت في الخامس والعشرين من يناير 2011م تعيش فصول مؤامرة كبرى تحاك ضدها وتديرها أياد خفية سواء كانت داخلية أو خارجية، ويبدو ان أعداء الحرية وصناديق الانتخابات التي قالت كلمتها لن يهنأ لها نوم ولن يستقر لها حال الا بازالة الرئيس المصري الحالي من الوجود واحلال رئيس اخر حسب الاهواء التي يرونها رغم ان القانون لا يسمح بذلك الا عندما تنتهي فترة رئاسته، وواضح ايضا ان اصوات المعارضة لمرسي وللحزب الحاكم بدأت تطلق شعاراتها الكاذبة التي ترمي الى اسقاط الرئيس بأي طريقة كانت وبكافة الوسائل المشروعة وغير المشروعة. وكلنا يعرف حسن النوايا التي يتميز بها الشعب المصري عبر تاريخه الطويل ومسيرته الوطنية في حب مصر والتمسك بمبادئ العروبة التي تميز بها هذا الشعب خلال القرن الماضي. وما يحدث في مصر اليوم يزيد من العنف والفوضى أكثر من اي وقت مضى في تاريخ مصر الحديث.
اتذكر ان الطريقة التي استخدمت مع مرسي اليوم هي نفس الطريقة التي كانت تستخدم مع «مبارك» من خلال العمل على اسقاطه لانه حان الوقت للتغيير والاطاحة به مهما كلف المصريين من ثمن، وبالفعل سقط «الفرعون» وبات شعب مصر العظيم يتطلع لانتخابات حرة ونزيهة وهذا ما حدث ولكن عندما فاز الحزب الحالي قامت الدنيا ولم تقعد، وبالطبع يقف وراء ذلك العداء مجموعة من المرتزقة واصحاب المصالح من الداخل والخارج، فعمت الفوضى وتعطلت مصالح المواطنين وظهر الكثير من الأصوات عبر «اعــــلام الفــــلول» تطالب باسقاط الرئيس الحالي وحكومته دون وجه حق ودون منحه الفرصــــة الــــكاملة لتقديم ما في جعبته للارتقاء بالوطن والمـــــواطن رغـــم انه لم يكمل سنته الاولى، ويبدو ان احداث المشهد السياســـــي في مصر اليوم ستطول وقد تظل على حالة من الفوضى لسنوات اذا لم يتم التحرك لاستخدام اساليب صارمة لايقاف هؤلاء المرتزقة والمخربين الذين يشحنون الجو الداخلي تحت مسمى الحرية وتحقيق اهداف الثورة، وكلها شعارات ترفع لتضليل الرأي العام المصري بشكل خاص والعربي والعالمي بشكل عام. وما يحز في النفس هو تزايد عدد القتلى من ابناء الشعب المصري خلال الاعتصامات الاخيرة والارقام مرشحة للازدياد، والضحية هم الشباب الذين يدفعون بارواحهم لتلبية تلك الهتافات المضللة، وكذلك وفاة بعض افراد الشرطة الذين سقطوا ضحية هذه المؤامرة التي تحاك ضد مصر وثورتها المباركة.
فأنا ممن يؤمن دائما بان الحكومة المصرية الحالية لم تأخذ حقها في تنفيذ مطالب الشعب لان المسألة تحتاج الى وقت وإلى استراتيجية لن تتحقق نتائجها في يوم وليلة كما يطالب بذلك اعداء مصر بل تحتاج لفترة طويلة وأول عوامل نجاح هذه الحكومة يكمن في تكاتف الشعب المصرب بكافة شرائحه وطبقاته الاجتماعية. وجمع التواقيع التي بلغت اكثر من عشرين مليون كما يدعي من قام بجمعها ضد الرئيس مرسي لاسقاطه بالقوة كلها ارقام غير دقيقة وتهدف الى اثارة البلبلة والضحك على المواطنين، لكن الشعب المصري اذكى من تلك الألاعيب بكثير وأكبر من هذا التلفيق وهم يعرفون جيدا من الذي يصنع هذه الاكاذيب لوأد الثورة وهي في مهدها والتخلص من الرئيس المنتخب واجباره على الاستقالة لتحقق اهداف اعداء الثورة والخونة من العملاء لكي ينتصر هؤلاء في النهاية على الشرعية. ان من يحب وطنه ويخلص له لا يرضى بان يحدث في بلاده ما يحدث اليوم من فوضى امنية وتحريض على السلطة لتحقيق أجندات خارجية مدروسة ومخطط لها والعام مسيس يقوم على محاربة السلطة بصورة واضحة والعمل على اسقاطها بكافة الطرق. نحن لا نعترض على اقامة اي تظاهرات ولكن نطالب بان تكون هذه المظاهرات سلمية وخالية من اي اعمال شغب او عنف او اراقة دماء، فدماء الشباب المصري غالية علينا ولا نتمنى ان تتكرر هذه المشاهد مرة اخرى خاصة اذا كانت اعمال العنف هذه مدفوعة بأيادٍ تخريبية من الداخل والخارج. والتظاهر بشكل حضاري ومقبول لا يعترض عليه أحد ولا ترفضه الدساتير أو القوانين بل هو حق من حقوق اي شعب يستطيع السير به في اي وقت، ولكن ان تقلب هذه التظاهرات الى اعمال تخريبية وفوضى مقصودة تقوم على العنف لاسقاط الحكومة بالقوة فهذا ما لا نقبله ولا تقبله الشعوب المخلصة لبلدها. الشارع المصري اليوم يغلي وتحكيم صوت العقل صار مطلوبا.
كلمة أخيرة :
مصر عظيمة بتاريخها وأمجادها فلا تعكّروا صفو وحدتها، والمؤامرة على الثورة المصرية ثورة 25 يناير 2011 م جاءت لوأدها وهي في مهدها. مصر غالية علينا جميعا والوقوف مع الثورة تفرضه تلك المواقف البطولية للجيش المصري الشجاع الذي دافع عن الأمة العربية في حروب مضت لن ننساها ولن نتجاهلها في مثل هذه اللحظات التاريخية والظروف العصيبة التي تمر بها أرض الكنانة.
رئيس تحرير مجلة التعاون بمجلس التعاون الخليجي
[email protected]